الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حكومات تصنعها الأزمات

بواسطة azzaman

حكومات تصنعها الأزمات

طالب محمد كريم

 

منذ عام 2003 وحتى اليوم، تعيش الحياة السياسية في العراق ضمن دورة مغلقة من الأزمات والمخارج المؤقتة، بعيداً عن روح الديمقراطية الطبيعية التي تقوم على التنافس بين برامج وطنية واضحة لخدمة المجتمع. في التجربة العراقية، لم تكن الانتخابات سوى مدخل لأزمات جديدة، ولم يكن تشكيل الحكومات نتاجاً لفرز إرادة وطنية حقيقية، بل جاء في الغالب استجابة طارئة لأزمات متفجرة.

عقب كل دورة انتخابية، يكاد يكون ثابتاً اندلاع صراع سياسي محتدم، تكتنفه أزمات دستورية، أو انشقاقات طائفية، أو فراغات أمنية، أو احتجاجات شعبية. وتتحول هذه الأزمات إلى المحرك الرئيسي لتشكيل الحكومة، التي لا تأتي لتحقيق الطموحات الانتخابية، بل لإطفاء نيران الخلافات وإنقاذ الوضع الهش تحت عناوين مثل “إنقاذ الموقف” أو “تسوية الأزمة”. لا يفرز المشهد الحكومي مشروعاً وطنياً متماسكاً، بل ينتج تسوية سياسية هشة قائمة على توزيع المواقع والمناصب وفق مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية. تُختزل الحكومة إلى “خلية طوارئ” سياسية هدفها امتصاص التوترات لا بناء الدولة أو معالجة المشكلات البنيوية.

مشروع وطني

في كل محطة سياسية، يتم تقديم الحكومة باعتبارها “حلاً مؤقتاً” للأزمة القائمة، لا بوصفها انطلاقة لمشروع وطني طويل الأمد.

حكومة المالكي الثانية (2010) جاءت بعد أشهر طويلة من الفراغ السياسي، إثر صراع مع القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، وحُسمت لصالحه عبر تفسير المحكمة الاتحادية لمفهوم الكتلة الأكبر. كذلك حكومة العبادي (2014) تشكلت في خضم صدمة سقوط الموصل وصعود تنظيم داعش، فكان همها الأول احتواء الانهيار الأمني والعسكري.

ثم جاءت حكومة عبد المهدي (2018) كنتاج لتسوية اللحظة الأخيرة، بعد فشل الكتل الكبرى في تحقيق الكتلة الأكبر عدداً، فطُرح مرشحاً توافقياً بلا برنامج انتخابي متماسك. حكومة الكاظمي (2020) هي الأخرى جاءت عقب احتجاجات تشرين، بعد استقالة حكومة عبد المهدي تحت ضغط الشارع، وكانت حكومة ترضية أكثر منها حكومة إصلاحية ذات برنامج واضح. أما حكومة السوداني (2022) فكانت امتداداً لهذا النسق، إذ وُلدت وسط اعتصامات التيار الصدري والصراع مع الإطار التنسيقي، واعتُبرت أيضاً حكومة تسوية، لا مشروعاً للإصلاح الحقيقي.

الاستثناء النسبي كان في انتخابات 2010، حيث برز صراع فعلي بين قائمتين كبيرتين: قائمة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والقائمة العراقية بزعامة إياد علاوي. وبسبب التباين الضئيل في عدد المقاعد بين القائمتين، تفجرت مشكلة تحديد الكتلة الأكبر عدداً: هل هي التي تتصدر نتائج الانتخابات قبل عقد الجلسة الأولى، أم التي تتشكل بتحالفات لاحقة داخل البرلمان؟

وقد أصدرت المحكمة الاتحادية العليا تفسيراً اعتبر أن الكتلة الأكبر قد تكون تلك التي تتشكل بعد انعقاد الجلسة، مما مهد الطريق للمالكي لتشكيل الحكومة عبر تحالفات برلمانية لاحقة.

توزيع مناصب

وعلى الرغم من امتلاك الحكومة الجديدة لقوة جماهيرية وسياسية واسعة آنذاك، إلا أنها اصطدمت بالقائمة العراقية، مما خلف مشكلة عميقة أثرت بشكل كبير على رسم الخارطة السياسية، وتوزيع المناصب داخل الدولة، وأسهمت في إعادة إنتاج الأزمات بطريقة أكثر تعقيداً.

هذا النمط في تشكيل الحكومات لا يؤدي إلى استقرار طويل الأمد، بل يعمق الأزمات ويعيد إنتاجها بصورة أشد تعقيداً. كما يؤدي إلى إضعاف ثقة المواطن بالعملية السياسية، وتزايد مشاعر الإحباط والانكفاء الشعبي، ما يهدد بخلق فجوات خطيرة بين المجتمع والدولة.

إن مستقبل العراق السياسي لن يتغير مالم يتحول تشكيل الحكومات إلى استحقاق وطني حقيقي يقوم على التــــــــــــنافس بين برامج واضحة وشخصيات قادرة على تمثيل الإرادة الشعبية، بعيداً عن منطق التسويات الطارئة والمحاصصة الطائفية. فحين تكون الحكومة حلاً لأزمة لا مشروعاً لبناء وطن، يصبح المســــــــــــــتقبل رهينة لأزمات متجددة تتربص على الأبواب.

 

 


مشاهدات 93
الكاتب طالب محمد كريم
أضيف 2025/04/28 - 4:46 PM
آخر تحديث 2025/04/30 - 12:53 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 855 الشهر 32937 الكلي 10993584
الوقت الآن
الأربعاء 2025/4/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير