الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين عيد العمال وواقع البطالة.. مفارقة مؤلمة

بواسطة azzaman

فم مفتوح .. فم مغلق

بين عيد العمال وواقع البطالة.. مفارقة مؤلمة

زيد الحلي

 

في الأول من أيار من كل عام، يحتفل العالم بـ»عيد العمال»، وهو مناسبة لتكريم جهود الطبقة العاملة ودورها المحوري في بناء المجتمعات والاقتصادات. وفي العراق، حلت هذه الذكرى الخميس المنصرم ، وسط مفارقة صارخة تكشف حجم التناقض بين المعنى الحقيقي لهذا اليوم وما يعيشه العمال العراقيون من تهميش وبطالة وفقدان للهوية الإنتاجية الوطنية.

إنه لمن الغريب، بل والمحزن، أن يحتفل العراقيون بعيد العمال بينما تُغلق المصانع، وتُهمل الورش الإنتاجية، ويُسرّح الآلاف من العمال أو يُدفعون إلى أعمال هامشية لا تضمن لهم حياة كريمة. يُمنح الناس في هذا اليوم عطلة رسمية، وكأن الدولة تحتفي بعاملٍ لم يعد له مكان حقيقي في دورة الاقتصاد، بعد أن أُقصي بفعل السياسات الاقتصادية العشوائية، والإغراق السلعي المستورد ، وغياب الخطط الجادة لإحياء الصناعة الوطنية.

لقد شهد العراق خلال العقود الماضية تراجعاً كبيراً في القطاع الصناعي. عشرات المصانع الحكومية والأهلية توقفت عن العمل لأسباب تتراوح بين الفساد الإداري، وسوء التخطيط، وانعدام الحماية للمنتجات المحلية أمام طوفان السلع المستوردة الرخيصة والرديئة. هذه البضائع، التي تغزو الأسواق العراقية من مختلف المناشئ، أسهمت بشكل مباشر في تدمير الصناعات المحلية التي كانت، يوماً ما، تلبّي احتياجات البلاد وتوفر فرص عمل لمئات الآلاف.

وبدل أن يكون عيد العمال مناسبة لاستذكار الإنجازات العمالية وتعزيز حقوقهم، بات أشبه بلحظة للتأمل في الخسارات المتراكمة: مصانع أُهملت، ومهارات اندثرت، وأحلام تلاشت. ليس من المبالغة القول إن العامل العراقي يعيش اليوم حالة من الاغتراب داخل وطنه؛ إذ لا يجد نفسه لا في خطط التنمية ولا في مشاريع الاستثمار، ولا حتى في الخطاب السياسي الذي كثيراً ما يكرر شعارات دعم الصناعة دون تطبيق فعلي.

إن استمرار هذا الواقع يعني أن العراق يفقد تدريجياً استقلاله الاقتصادي، ويصبح أكثر تبعية للخارج، ليس فقط على مستوى الاستهلاك، بل حتى في أبسط حاجاته الصناعية. ومع كل ذلك، تُطرح الأسئلة: إلى متى يستمر هذا الحال؟ وأين موقع العمال في رؤية العراق المستقبلية؟ ومتى يعود الإنتاج الوطني ليأخذ مكانه الطبيعي؟

الإصلاح الحقيقي يبدأ من الاعتراف بأن لا نهضة دون إعادة الاعتبار للعمل والإنتاج. يجب أن تتبنى الدولة سياسات واضحة لدعم الصناعة المحلية، وتشجيع الاستثمار الحقيقي في المصانع الوطنية، وتفعيل قوانين حماية المنتج المحلي، إلى جانب تدريب وتأهيل اليد العاملة العراقية.

عيد العمال يجب ألا يظل مناسبة شكلية نحتفي بها بالعطل، بل فرصة حقيقية لمراجعة السياسات الاقتصادية، واستعادة كرامة العامل، وتمكينه ليكون عنصراً فاعلاً في بناء الوطن، لا مجرد متفرج على منتجات أجنبية تملأ الأسواق، بينما يُترك هو لمواجهة مصير البطالة والعوز.

 

Z_alhilly@yahoo.com

 

 


مشاهدات 17
الكاتب زيد الحلي
أضيف 2025/05/03 - 1:09 PM
آخر تحديث 2025/05/04 - 2:24 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 154 الشهر 3721 الكلي 10997725
الوقت الآن
الأحد 2025/5/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير