عُقوبة الإعدام بِحق امرأة وعشيقها لِقتلهما الزوج
عماد يوسف خورشيد
واقعة الحكم: تلخصت وقائع الدعوى في: وجود علاقة غرامية غير مشروعة بين المتزوجة ( م.ن.خ) و ( ص، ق، ر) واتفقا على ان يتخلصا من المجنى عليه ( ن ، ح، ي) وهو زوج المجرمة ( م.ن.خ) . وفعلًا نفذا ما اتفقا عليه في بغداد بتاريخ 9/6/2023 من خلال؛ وضع مادة مخدرة في طعام ( ن ، ح، ي) وبعد نومه، إتصلت زوجته بالمجرم ( ص، ق، ر) وجاء الى بيت عشيقته المتزوجة، وقام بخنق المجنى عليه واصعداه في سيارته والقياه بعيدًا عن المنزل، ومن بعد ذلك، تم ضربه بصخرة كبيرة على راسه.
وبناءً على مخالفة القيم الانسانية العليا، وارتكابهما جريمة قتل؛ قررت محكمة جنايات...تجريمهما استنادًا لأحكام المادة 406/1/أ/ج من قانون العقوبات العراقي، وذلك لقيامهما بالاشتراك بقتل المجنى عليه ( ن ، ح، ي) عمدًا مع سبق الاصرار ولدافع دنيء.. وان عقوبة الاعدام شنقًا حتى الموت جاءت مناسبة مع وقائع الجريمة وبشاعتها والدافع الدنيء في إرتكابها. وصادقت محكمة التمييز الاتحادية على الحكم بتاريخ 27/11/2024م.
تعليق على الحكم: معلوم ان عقد الزواج كما عرفته المادة الثالثة من قانون الاحوال الشخصية العراقي بان " 1/ الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعا غايته انشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل .2- اذا تحقق انعقاد الزوجية لزم الطرفين احكامها المترتبة عليه حين انعقاده ". يتضح من هذه المادة ان غاية الزواج تكمن في امرين: الاول: رابطة الحياة الزوجية. ثانيًا: النسل وانجاب الاطفال لاستمرارية الحياة على الارض الى ان يشاء الله. وبعد ابرام العقد ينشئ التزامات متبادلة على كلا الزوجين لتحقيق الغاية اعلاه، ومن اهم واجبات التي تقع على عاتق الزوجين هي المحافظة على القيم الزوجية واخصها: عدم الخيانة الزوجية.
فالسياج الذي نشأ في ظل عقد الزواج له حرمة وقدسية عظيمة؛ وعلى هذا أكد رب العالمين في محكم كتابه القرآن الكريم (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).سورة المؤمنون.
وان استخفاف بمكانة عقد الزواج وقدسيته من قبل الزوجة اعلاه وارتكابها الخيانة الزوجية، وجريمة القتل كانت عاقبتها وخيمة، ولو كان في قلبيهما قليل من النور لفكرت بعاقبة امرها، واختارت الطلاق او التفريق القضائي وهو غير محبب، لكن هذا اهون من ارتكاب جريمة قتل، وهذا ما ارشدنا اليه خالقنا في محكم كتابه ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ) سورة البقرة 229. لكن ران على قلبيهما الآثام، واحاطت بهم سيئاتهم، ولم يضعا في حسبانهم عقوبة الدنيا وهو الاعدام، ولا عقوبة الاخيرة يوم الحساب. قال تعالى ( مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). سورة البقرة 81. ( يا قاتل البريء يومك آت، ستنال فيه الحسرات). قال تعالى (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) سورة البقرة 72.
ونرى ان السبب الاقوى في ظهور مثل هكذا جرائم هو: انتاج وترجمة بعض المسلسلات، التي تشجع وتدعوا الى الخيانة الزوجية، وفضلا عن ذلك، انشاء محتويات هابطة على مواقع التواصل الاجتماعي والمخالفة لقيم المجتمع العراقي. وفي مقابل ذلك توجد مسلسلات تثبت القيم الانسانية، ولكن النفوس التي لم تتزكَّ تميل الى اشباع شهواتها باي وسيلة كانت، ونتائج ذلك تكون خسارة الانسان لنفسه على الاغلب.
وهنا نرى ان مسؤولية الحفاظ على قيم المجتمع العراقي تقع على عاتق سلطات الدولة، والمجتمع ، ووسائل الاعلام على حد السواء. وتجدر الاشارة في هذا المقام ان نذكر دور السلطة القضائية في هذا الموضوع، إذ اصدرت حكمًا بالعدد 325/وموحدتها 331/اتحادية/2023، في 13/1/2024. طالبت فيه الزام وزارة الاتصالات ورئيس هيئة الاعلام والاتصالات إضافة لوظيفتيهما بحجب المواقع وشبكات المعلومات ( الانترنيت) وشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الالكتروني التي تتضمن ما يبث من مخالفة لقيم المجتمع العراقي، وهذا ما سنتناول تفاصيله في مقالة قادمة ان شاء الله.
وحاصل الكلام، ان الأسرة التي تبحث عن غاية الزواج – حياة مشتركة ونسل – عليها ان تحافظ على إطار عقد الزواج وعدم السماح بدخول الافكار التي تهدم قيم الاسرة، ومصيرها في الاغلب مثل الواقعة اعلاه. وفضلا عن ذلك، ضرورة ان يتعلم الاطفال في المدارس والجامعات والبيوت ان الاسرة تبنى على أعمدة ثلاثة: السكينة والرحمة والمودة، كما بينها لنا خالقنا في محكم كتابه الكريم ( وَمِنْ ءَايَاتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍۢ لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم. 21.
استاذ القانون الجنائي المساعد