أذن وعين
في تذكر هوغو تشافيز
عبد اللطيف السعدون
يروي الشاعر سعدي يوسف قصة لقائه بالزعيم الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز في مهرجان للشعر أقيم في العاصمة الفنزويلية: «كان في منتهى اللطف والمرح، محتفيا باسما، (..) مرحبا بك، أنت في بلدك، أنا أعرف المأساة التي حلت بالعراق بعد الاحتلال، اعتبر كلامي هذا دعوة لك للإقامة في كراكاس، ليس عليك سوى اشعار سفارة فنزويلا برغبتك، أنت تعرف أن فنزويلا والعراق أسسا الأوبك، سوف يستعيد العراق حريته بنضال أبنائه، ونحن معكم في هذا النضال».
يعقب سعدي: «سوف يظل الناس يحتفون بذكراه محررا من الذل والفقر.. لقد فقدنا نحن العرب نصيرا لنا».
بعد أحد عشر غاما على رحيله يظل هوغو تشافيز عندنا، نحن العرب، شخصية عصية على النسيان على خلفية مواقفه وسياساته المناصرة لنا لكن الكثير منا قد لا يعرف أن تشافيز تعرف الى «العرب» مبكرا حيث كان يشاركه العيش في موطنه الأول في مراعي الجنوب الفنزويلي الشاسعة الكثير من العرب الذين هجروا بلادهم طلبا للعيش الآمن، من بين هؤلاء اللبناني عدنان رضوان الذي كان صديقا لأسرة تشافيز فرياس المعلم في مدرسة القرية التي يدرس فيها هوغو الصغير الى جانب أولاد عدنان رضوان وأبناء عرب آخرين، وكان عدنان يمتلك متجرا صغيرا جمع فيه بين حرفتين: خياطة الملابس وبيع الحاجيات المنزلية الضرورية، وكثيرا ما كان هوغو يتردد عليه مبعوثا من أسرته لشراء بعض احتياجاتها.
كانت عبارة «صديقنا العربي»، والمقصود به عدنان رضوان، تتردد كثيرا على مسامع تشافيز الصغير، وقد أعطته الرابطة الحميمة التي ربطت بين أبيه ورضوان، وبينه وبين اقرانه العرب انطباعا ظل راسخا عنده أن العرب والفنزويليين أشقاء، يواجهون ظلما مشتركا مصدره أولئك الذين يحكمونهم ويتحكمون في مواردهم سواء كانوا غرباء عنهم أو من أبناء جلدتهم.
موروث ثقافي
منذ ذلك الوقت تعلم تشافيز أن «يحب العرب، ويحب ثقافتهم وتراثهم»، بحسب تعبيره هو، مرة سأله صحفي خبيث من أين جاءه «الانتماء العربي؟» كان جوابه ان ما يجمع الأميركيين اللاتينيين والعرب موروث ثقافي مشترك، واحساس بالظلم والحرمان، والايمان بالقدرة على الخلاص من نير العبودية.
كان تشافيز ذا شخصية كاريزمية يسميها باحث أميركي «الشخصية الأوسع من الحياة»، سطع نجمه بعد نهاية الحرب الباردة وتراجع السياسات الراديكالية ليسجل بدء حقبة جديدة لليسار العالمي، ولليسار في القارة الأميركية اللاتينية على وجه الخصوص، وكان الأكثر نفوذا بين قادة هذه القارة والأكثر تأثيرا على خطط الولايات المتحدة وسياساتها، وكان سر قوته الحقيقية هو في علاقته الحميمة بفقراء بلاده الذين احتضنوه ووقفوا خلفه بعدما وفر لهم برامج التعليم المجاني والخدمات الصحية المجانية، وفرص العمل كما أتاح لهم الانضمام الى دائرة صنع القرار بعد عقود من الاذلال والاقصاء المتعمد، وذلك عبر المجالس المحلية واللجان الشعبية المنتشرة في كل أرجاء البلاد.
وقد وجد العرب المقيمون في فنزويلا والذين يقترب عددهم من مليونين في تشافيز ما افتقدوه في زعامات بلادهم، ولذلك أعطوه أصواتهم في صناديق الاقتراع، وهتفوا له، وأكبروا فيه «عروبته»، وحزنوا لرحيله، وفي العالم العربي فاقت شعبيته شعبية بعض الحكام، وتابع أخباره الناس العاديون في فلسطين والعراق ولبنان الذين انتصر لهم ووقف معهم، وهو الحاكم الذي طرد سفير إسرائيل في فنزويلا في أعقاب العدوان على غزة عام 2009، ووصف إسرائيل بأنها «دولة قاتلة وضالعة في عملية إبادة» ودعا الى احالة رئيسها الى محكمة الجنايات الدولية.
وفي سفراته الى البلاد العربية تعرف عن كثب الى تقاليد العرب وعاداتهم، ففي السعودية شارك في «رقصة العرضة» وركـــب الجمل وأعجبته الصحراء حيث الأصالة والبساطة والانفتاح، وفي بغداد سار مع صدام حسين في شوارعها التي استقبلته جماهيرها بمحبة وود، وكذا في الجزائر وطرابلس وغيرهما من مدن العالم العربي وحواضره.
له أصدقاء عرب شاركوه في نشاطاته السياسية قبل وصوله الى الحكم، وتسنموا لاحقا مناصب رسمية رفيعة: ريمون قبشي اللبناني الذي كان مستشاره للشؤون العربية، وطارق العيسمي السوري الذي أشغل أكثر من منصب وزاري، وطارق وليم صعب النائب العام الحالي والشاعر باللغة الاسبانية الذي قال مرة انه يشعر بالأسى لأنه لا يستطيع التعبير شعرا عن نفسه بلغة آبائه وأجداده، وغيرهم العديد من الناشطين في صفوف الحزب الاشتراكي الموحد الذي يقوده اليوم خلفه نيكولاس مادورو.