الراشدون في فخ العلاقات الرقمية

هند الحافظ

لم تعد العلاقات الإلكترونية المشبوهة ظاهرة ترتبط فقط بالمراهقين، بل أصبح من اللافت اليوم انخراط عدد كبير من البالغين، بل حتى المتزوجين وذوي المراكز الاجتماعية، في هذا النوع من العلاقات عبر منصات التواصل والدردشة. قد يبدأ الأمر بشكل عابر، من باب  التسلية، وربما تحت مظلة الصداقة البريئة ،لكنه في كثير من الأحيان يتحوّل تدريجياً إلى تعلق عاطفي مزيّف أو انجراف في المحرمات، دون وعي حقيقي بعواقب ما يحدث خلف الشاشة.

يعاني البعض منهم من فراغ عاطفي ، وربما يجد أحدهم نفسه أمام نافذة إلكترونية تُشعره بما افتقده في الواقع من اهتمام أو تقدير أو حتى كلمات إطراء كاذبة . قد لا يكون الدافع دائماً الرغبة المحرّمة، بل أحياناً البحث عن الشعور بالقيمة أو استعادة جزء من الذات في مرحلة عمرية  هشة ، كمنتصف العمر أو عند تراجع الدور الاجتماعي أو المهني. ولكن مهما كان المبرر، فإن العلاقة التي تنشأ في الخفاء، وتُبنى على الكذب  أو الخداع، لا يمكن أن تكون سليمة، ولا آمنة. هذه العلاقات قد تكون مصدر إغراء نفسي مؤقت، لكنها تترك آثاراً عميقة، كالشعور بالذنب، واضطراب الضمير،  وقد يتحوّل الأمر من مجرد علاقة افتراضية إلى فخّ حقيقي، يصل حد الابتزاز أو التشهير، خاصة حين يقع أحد الأطراف ضحية لطرف خبيث يستغل الحاجة النفسية و العاطفية  لأهداف مالية أو معنوية. وحتى إن لم ينكشف الأمر، يبقى الانحدار الأخلاقي داخلياً، فتضعف الثقة بالنفس وينعدم احترام الذات وتخبو حرارة الروح، ويصبح الإنسان غريباً عن ذاته، ممزقاً بين صورة ناصعة في الواقع وسقوط في الخفاء. لا بد من وقفة صادقة، ومراجعة للنفس ومحاسبتها، ومن الإيمان بأن الكرامة لا تُطلب من عابر مجهول على الإنترنت، وأن الحب والاهتمام الحقيقي لا يُنتزع من وهمٍ مؤقت، بل يُبنى بالصدق في علاقاتنا الواقعية، مع اشخاص اسوياء ، العلاقات الإلكترونية  ليس مجرد زلة عابرة، بل قد تكون بداية لانهيار داخلي وأُسَري خطير ومع أن الضغوط النفسية والاجتماعية قد تكون دافعاً، إلا أن العلاج يكمن في الوعي، والتوبة، والبحث عن الإشباع العاطفي بوسائل مشروعة، تحفظ كرامة الفرد واستقراره ،فالله أرحم الراحمين، والفرصة للتصحيح دائماً قائمة، لمن أراد أن يفيق قبل أن يضيع.