إبداع في لوحة

علي البدر

تمثل لوحة التشكيلي علي نعمة نموذجًا للفن الواقعي التعبيري. إنها مشهد مأساوي يعكس معاناة الهاربين من التفجيرات الإرهابية التي ضربت بلدنا الحبيب العراق بعد عام 2003. يظهر في المقدمة رجل بملابس بيضاء يحمل رمزًا خالدًا، نصب الحرية ، الذي نحته الفنان جواد سليم ليكون رمزاً للنضال والحرية في العراق. حكاية تحرر العراق من الاستعمار وبزوغ ثورة 14 تموز الخالدة سنة 1958.  بينما ترافقه امرأة بملابس سوداء تحمل طفلاً صغيرًا، إلى جانب فتاة صغيرة تمسك بطفل آخر، في مشهد يعكس النزوح والآلام الإنسانية.  الشخصيات في اللوحة تبدو في حالة فرار من الموت. وجوه مرسومة بدقة، تحمل مشاعر الألم والخوف، مما يضفي على المشهد طابعاً إنسانياً عميقاً.

المزج اللوني وتأثيره:   

تعتمد اللوحة على ألوان قاتمة ودافئة في آنٍ واحد. الخلفية يغلب عليها الرمادي والأسود، مما يشير إلى الدمار والدخان الناتج عن الحرائق. في المقابل، ملابس الشخصيات تحمل درجات ألوان ترابية وأبيض، مما يعكس التناقض بين الإنسان والكارثة المحيطة به.

كما أن بعض الظلال والخطوط القوية تعطي إحساسًا بالحركة والإجهاد، ساعدت في بروز تكوين فني لافت وتأثير بصري، حيث يتحرك المشهد من اليمين إلى اليسار، كأن الشخصيات تترك شيئًا خلفها وتتجه إلى مستقبل مجهول. الطريق الذي يسيرون عليه محاط بسياج، مما يعكس إحساسًا بالحصار أو العجز عن الفرار تمامًا. كما أن الدخان في الخلفية يعزز الإحساس بالخطر والدمار.

اللوحة تمثل شهادة بصرية على مأساة الإرهاب وتداعياته المستمرة، حيث يعيش الضحايا في المعاناة، ومع ذلك، فإن تمسك الرجل بلوحة تحمل رمزا ثقافيًا ووطنيًا، يشير إلى صمود الشعب رغم المحن. اللوحة تطرح تساؤلات أخلاقية حول العدالة والمحاسبة، وتجسد مشهدًا من الألم الإنساني الذي لن يزول من الذاكرة. لوحة حزينة لكنها ناطقة بالحقيقة، وتضع أمام المشاهد مرآة تعكس قسوة الواقع بكل تفاصيله، حيث يتلاشى الإحساس بالأمان، وتصبح الهوية شيئًا يحملونه معهم كذكرى أو شهادة على ماضيهم.

وجود الطفل والفتاة يوحي باستمرار الحياة رغم المأساة، لكنه أيضًا يشير إلى فقدان الأمان للطفولة وسط أهوال النزوح. اللوحة صرخة صامتة  تحمل في طياتها قوة الإرادة البشرية للاستمرار رغم الجراح.