الفراغ العاطفي.. خلو المكان
هالة التميمي- القادسية
الفراغ : هو الفجوة ؛ خلو المكان ؛ نقص الشيء ؛ مكان لا يشغله شيء ؛ فقدان لشيء ما .
يمكن تعريف الفراغ العاطفي بصورة دقيقة هو إغتراب الانسان وعدم معرفة ذاته ؛ أي انه حالة من الحالات الطبيعية التي تصيب اي شخص نتيجة الحرمان من مشاعر حقيقية لاسباب معينة .
الفراغ العاطفي نتيجة كبيرة لسببٍ ربما يعتبره البعض بسيطاً لكنه قد يكون مُقنعاً في اغلب الاحيان ؛ فالفقدان دائمًا ما يؤدي الى نتائج سلبية تنعكس على ذات الشخص ؛ وبالتالي سيجد صعوبة في تخطي هذه الحالة .
إن من اهم اعراض الفراغ العاطفي هو الاكتئاب الذي يكون اشبه بالمزمن او الدائم وهذا لا يتم التخلص منه الا بتعبير الفرد عن مشاعره لمن يفهم ويهتم لا لمن لا يفهم ويهمل ؛ ودائما ما يصاحبه شعوراً باليأس والقلق والملل والارهاق والمظلومية ؛ مما يؤدي الى إضطراب شخصية الفرد وجعله غير قادراً حتى على ممارسة نشاطاته اليومية وهواياته ؛ ويعاني من ازمات نفسية حادة تؤدي به الى الشعور بالتهميش .
ومن اهم اعراضه : هو الاكتئاب الحاد والانعزال عن الاهل والاصدقاء وايضا التشبث بأي شخص عابر من اجل التعبير عن المشاعر من خلاله ؛ ان التعبير عن المشاعر المكبوتة لدى الشخص لا يتم بسهولة الا عن طريق الشعور الصادق النابع من عمق العاطفة وبمصداقية تامة وغير ذلك سيتم اعتبار كل المشاعر المعطاة لاشخاص معينين هي مجرد هروب وهراء وضياع وتهميش وجودي ؛ وايضا من اسباب الشعور بالفراغ العاطفي هُو التعود على حالة معينة كوجود شريك حياة غادر فجأة ؛ وايضا يكون بسبب حرمان من احد الآباء في الطفولة او وجود كبت عاطفي بوجود الاهل نتيجة اهمال الآباء لابنائهم وبالتالي سينتج شخصاً غير مكتفٍ عاطفياً فيذهب للبحث عن الحب في فضلات العلاقات عسى ان يسد فراغٍ ما ولن يُسد ذلك الفراغ بتخبط ما لم يتم اختيار الشريك بعقلانية وبمشاعر منطقية مدروسة ؛ وايضا ان الحب من طرف واحد والخذلان الذي يتعرض له الشخص يجعله يخطو طريق العزلة وكره الآخر بل والغيرة من اقرب الناس لمجرد انه ارتبط او اكتفى عاطفياً .
مشاعر خاصة
ان استلطاف اي شخص يجعل الفارغ عاطفياً يتأمل به او يعتقد بأنه يشعر تجاهه بمشاعر خاصة ؛ وهنا يحدث خطأ كبير نتيجة التوهم والتعلق بالوهم ؛ هذه المشاعر الوهمية اشد خطورة على الشخص كونه سيبقى يتأمل ويعتقد ويفكر بأن الآخر ايضا يبادله نفس المشاعر او اكثر؛ وانا اعتقد ومن وجهة نظري كباحثة انثروبولوجية ان العنف ايضا له اثراً ودوراً كبيراً في صناعة هذا الفراغ ؛ وبمجرد ?? يتعرض الانسان الى العنف اللفظي او الجسدي سينعكس هذا نفسياً على شخصيته وبالتالي سيعاني من فراغاً عاطفياً وفجوة كبيرة بينه وبين الاهل ؛ وسيفتقر الى الحب والمودة والشعور بالطمأنينة ؛ وكذلك خذلان الاصدقاء يجعل الانسان يشعر انه لا شيء وان لا احد يفتقده ؛فالدعم المعنوي له اثر كبير جداً على صناعة أمل بعد يأسٍ طويل .ان التأثر بالافلام والروايات الرومانسية يجعل الانسان الفارغ عاطفياً يلجأ لطرق اخرى مثل التعرف على اي شخص لغرض اشباع رغبته العاطفية وان تم خذلانه او رفضه سيشعر بأنه يعاني من عيوب جعلت الطرف الآخر يرفضه ؛ وهذا غير صحيح ؛ حيث ان الثقة بالنفس تعزز كرامة الانسان فيبقى محتفظاً برونق عاطفته التي يجب ان تكون للشخص المناسب لا لعابر سبيل ممكن ان يتخلى عنه بسهولة ؛ وان قراءة الروايات الرومانسية تجعل الشخص يعتقد انه ايضا عليه ان يمارس كل حقوقه العاطفية كأبطال الرواية تماماً وبالتالي سيذهب الى هذه الطرق الغريبة المضيعة للوقت والجهد ؛ وما الروايات إلا قصص حقيقية او غير حقيقية مكتوبة بمبالغة مع كثيراً من الرتوش والجماليات والتضحية الشيقة ؛وان من اهم طرق التخلص او التخفيف مِن الفراغ العاطفي هو الثقة بالنفس وصون المشاعر والابتعاد عن الاشخاص السيئين اي من (يدعي الصداقة او الحب ) وايضا التقرب من الآباء ومعرفة اهم نقاط الضعف في تلك العلاقة والسعي وراء تحقيق الهدف ؛ حيث ان تحقيق الهدف يعتبر من افضل وارقى الطرق لاشباع الرغبة العاطفية لانها تعطي مشاعر ايجابية تدعم الانسان في لحظات ضعفه المفاجئة ؛ وان خذلان شخص معين يعالجه تحقيق هدفٍ ما ؛ ان الاهداف ما هي الا واجهة الانسان في مجتمعه وكيانه الذي لا يجب ان يتهدم لسببٍ عاطفي ستزيله الايام ؛ وان الجلوس مع الذات ومعرفة العوامل المؤثرة على نفسية الانسان وعاطفته وايجاد حلول مريحة ومنطقية واستغلال الوقت بصورة صحيحة وايضا البحث عن بيئة مناسبة غير ممرضة سيحول الفراغ العاطفي الى اشباع وان هذا الاشباع ليس بالضرورة ان يسده شخصٌ ما بل ربما فكرةً ما او كتاب صانعاً للذات او موسيقى تُعيد للقلب لونه؛ ولا بد من مغادرة او مواجهة الظروف المحيطة بصدرٍ رحب.
اعطاء النفس
وهذا خيرٌ من الوحدة والانعزال عن العالم الخارجي ؛ وايضاً اعطاء النفس حريتها بالتعبير يُعتبر من افضل الطرق العلاجية لمقاومة يأس الذات وعنف الحياة ؛ وهذا التعبير يتمثل بالجُرأة المؤدبة مع الاهل والاصدقاء والشريك المناسب لا العابر ؛ على الانسان ان يُعلي من نفسه و مشاعره وما تحويه ذاته من قدسية ممكن ان تُرهب الآخر لا ان تُداس؛ وأخيرًا فإن الإدراك ما هو الا اداة عميقة وحادة سيختار الإنسان من خلالها شريكاً وصديقاً مريحاً للقلب واقرب للعقل والمنطق وخلاف ذلك سيعاني المرء من غباءٍ يهدد عقليته وبنيته ويؤدي به الى الهلاك الذاتي والنفسي والعاطفي .
فليفهم الانسان حقيقة ذاته ومشاعره وليعرف ما يريد كي لا يقع ضحية الفراغ العاطفي ؛ وإن استوجب الأمر وان بدأ يعاني من اضطرابات في الشخصية واعراضاً مُتعبة عليه ان يعرض نفسه على طبيبٍ مختصٍ ويحاول ان يطرح عليه مشكلته البسيطة التي عجز عن حلها ؛ وبالنهاية لا أحد سيُسعدنا غير ذواتنا واحلامنا الواقعية .