الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
2025..خلاصة المنّجزات العلمية في عام التحوّلات الكبرى

بواسطة azzaman

2025..خلاصة المنّجزات العلمية في عام التحوّلات الكبرى

محمد الربيعي

 

دأبت في نهاية كل عام على أن أقدم للقارئ العربي خلاصة لأهم المنجزات العلمية التي شهدها العالم، محاولة أن أضع بين يديه صورة بانورامية لما تحقق في ميادين الطب والفيزياء والطاقة والبيئة والتكنولوجيا. وهذا العام، أجد نفسي أمام حصيلة استثنائية تستحق أن تروى بتسلسل يليق بحجم التحولات التي حملها عام 2025، عام بدا وكأنه يكتب فصلاً جديداً في تاريخ العلم والابتكار.

في الطب، تصدرت الأخبار قصة العلاج الجيني الجديد لسرطان البنكرياس، ذلك المرض الذي ظل لعقود عصياً على العلاج. التجارب السريرية أظهرت نسب شفاء أولية غير مسبوقة، ما دفع بعض الباحثين إلى القول اننا نقترب من تحويل السرطان من حكم بالاعدام إلى مرض يمكن السيطرة عليه. وفي السياق ذاته، شهد العالم إطلاق لقاحات متعددة الاستخدامات تعتمد على منصات mRNA، قادرة على الوقاية من عدة فيروسات في آن واحد، وهو ما وصفته منظمة الصحة العالمية بأنه ثورة في الاستجابة للأوبئة. أما الطب الشخصي فقد دخل مرحلة جديدة بفضل الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح بالإمكان تصميم بروتوكولات علاجية فردية بناءً على بيانات المريض الجينية والبيومترية، وهو ما اعتبره خبراء بداية عصر جديد في الرعاية الصحية.

أما في الفيزياء والفضاء، فقد أعلن العلماء في المصادمات الكبرى عن اكتشاف جسيمات دون ذرية جديدة قد تفسر بعض ألغاز المادة المظلمة، وهو اكتشاف يعيد صياغة فهمنا لبنية الكون ويفتح الباب أمام تطبيقات مستقبلية في الطاقة والاتصالات. وفي ميدان الطاقة النووية، سجل عام 2025 خطوة تاريخية حين تمكنت التجارب من انتاج طاقة اندماج نووي تفوق الطاقة المستهلكة بشكل تجاري تجريبي، وهو انجاز وصفته الصحافة العلمية بأنه الحلم الذي طال انتظاره. أما استكشاف الفضاء فقد شهد بعثات جديدة إلى أقمار المشتري وزحل، مع اكتشاف مؤشرات أولية على وجود بيئات صالحة للحياة الميكروبية، ما أعاد النقاش حول احتمالية وجود حياة خارج الأرض إلى واجهة الاهتمام العلمي والإعلامي.

في ميدان البيئة والطاقة، برزت ابتكارات في تطوير مواد كيميائية ذكية قادرة على اعادة التدوير الذاتي، وهو ما يقلل من النفايات الصناعية ويعزز الاقتصاد الدائري. كما شهد العام تقدماً في تقنيات التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون من الجو بكفاءة أعلى وتكلفة أقل، وهو ما وصفه خبراء المناخ بأنه أداة أساسية في مواجهة التغير المناخي. ولم يكن الأمن الغذائي بعيداً عن هذه التحولات، إذ انتشرت أنظمة الزراعة العمودية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما سمح بزيادة الإنتاج الغذائي بنسبة ملحوظة مع تقليل استهلاك المياه والطاقة، وهو نموذج يعزز قدرة المدن الكبرى على مواجهة تحديات النمو السكاني.

أما التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي فقد شكلا محوراً رئيسياً في إنجازات العام. فقد ظهرت أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على التفكير متعدد المستويات، لتصبح شريكاً أساسياً في البحث العلمي نفسه، حيث ساعدت في اكتشاف مركبات دوائية جديدة وتصميم مواد مبتكرة. وفي المستشفيات، دخلت الروبوتات مرحلة جديدة من الاستقلالية، اذ أجرت عمليات جراحية معقدة بدقة تفوق الجراحين البشر، مما يعزز فرص العلاج في المناطق النائية ويقلل من الأخطاء الطبية. كما تم تطوير واجهات متقدمة بين الدماغ والحاسوب تسمح لذوي الاعاقات بالتحكم في الأجهزة عبر إشارات الدماغ مباشرة، وهو انجاز وصفته مجلة «نيتشر» بأنه نقلة نوعية في اعادة دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة اليومية.

هكذا، ومع نهاية عام 2025، أجد نفسي أمام لوحة متكاملة من الإنجازات التي تداخلت فيها العلوم الطبية مع الفيزيائية والبيئية والتكنولوجية لتشكل ملامح عالم جديد يتشكل أمام أعيننا. هذه الانجازات ليست نهاية المطاف، بل بداية مسار طويل نحو مستقبل أكثر صحة واستدامة وذكاء للبشرية جمعاء، وهو ما يجعل من 2025 عاماً سيظل محفوراً في ذاكرة العلم كعام التحولات الكبرى.

*انعكاسات الانجازات العالمية على واقع البحث العلمي العربي

يمكن القول ان انجازات 2025 العالمية تشكل مرآة تكشف عن الفجوة بين البحث العلمي العربي ونظيره العالمي. لكنها أيضاً تمثل فرصة لإعادة صياغة أولويات البحث في المنطقة:

• التركيز على الطب الشخصي واللقاحات لمواجهة الأمراض المستعصية والأوبئة.

• الاستثمار في الطاقة النظيفة والاندماج النووي لتجاوز الاعتماد على النفط والغاز.

• تبني تقنيات الزراعة الذكية لمواجهة شح المياه وضمان الأمن الغذائي.

• تسريع التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي لتقليص الفجوة مع العالم المتقدم.

اذا استطاعت الدول العربية أن تربط هذه الإنجازات العالمية بأجندة اصلاحية محلية، فأن انعكاسها سيكون إيجابياً، ليس فقط على البحث العلمي، بل على التنمية الاقتصادية والاجتماعية ككل. أما إذا بقيت هذه الانجازات مجرد أخبار تقرأ في الصحف دون ترجمة عملية، فأن الفجوة ستتسع أكثر، وسيظل البحث العلمي العربي في موقع المتلقي لا المشارك.

□ بروفسور متمرس ومستشار دولي، جامعة دبلن


مشاهدات 49
الكاتب محمد الربيعي
أضيف 2025/12/27 - 5:21 PM
آخر تحديث 2025/12/28 - 1:00 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 59 الشهر 20541 الكلي 13004446
الوقت الآن
الأحد 2025/12/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير