قسم التاريخ… حين يعجز الثناء وتبقى المواقف شاهدة
احسان باشي العتابي
ان الاعتراف بفضل الاخرين ليس سلوكا هامشيا، بل قيمة اخلاقية غائبة في زمن بات فيه الجحود ممارسة صامتة، لا تدان ولا تستغرب. ومن لا يعتد على تقدير مواقف من احسنوا اليه، سيجد نفسه – عاجلا ام اجلا – وقد فقد بوصلته الانسانية، مهما ادعى الوعي او الثقافة. ومن هنا، تاتي هذه السطور لا بوصفها مجاملة، بل باعتبارها موقفا واجبا.
ثمة اماكن لا نغادرها حين نغادرها، تبقى مقيمة في الذاكرة، نابضة في الوجدان، لا لانها جدران او قاعات، بل لانها احتضنت عقولا صادقة وقلوبا امنت بان التعليم رسالة قبل ان يكون وظيفة. وقسم التاريخ في كلية التربية للعلوم الانسانية – جامعة واسط، واحد من تلك الاماكن التي يصعب المرور بها دون ان تترك في النفس اثرا عميقا.
ومن هذا المنطلق، وجدت نفسي مدفوعا للكتابة على وجه الخصوص عن اساتذتي التدريسيات والتدريسيين في قسم التاريخ، اولئك الذين حملوا رسالة العلم في الدراسة المسائية، عبر المرحلتين المنصرمتين والثالثة الانية،بصدق ومسوولية، وبصبر يليق بمهنة التعليم وقدسيتها. كنت قد عقدت العزم على ان افرد لكل واحد منهم حديثا مستقلا، بل بحثا خاصا، اكشف فيه عن ميزاته العلمية، وخصاله الانسانية، واثره التربوي، غير ان القلم توقف امام حقيقة واحدة:ان الحديث عنهم واحدا واحدا سيطول حد العجز، لان كل اسم منهم حكاية تستحق ان تروى، وتجربة تستحق ان توثق.
لذلك، ارتايت ان يكون هذا المقال حديثا عاما عنهم جميعا، علي اوفيهم – ولو بالقدر اليسير جدا – شيئا من حقهم علي، وشيئا من الجميل الذي تركوه في الذاكرة والفكر والوجدان. فقد كانوا، وما زالوا، مثالا للاساتذة الذي لا يكتفي بنقل المعلومة، بل يزرع في طلبته منهج التفكير، ويوسس لاحترام التاريخ بوصفه علما لا سردا، وتحليلا لا ترديدا.
ان ما قدمه اساتذة قسم التاريخ لم يكن محصورا في قاعات الدرس، بل تجاوزها الى بناء شخصية الطالب، وتعليمه كيف يكون منصفا في قراءته للاحداث، وكيف يتحرر من الاحكام المسبقة، وكيف يدرك ان التاريخ ليس ماضيا منتهيا، بل مرآة لفهم الحاضر واستشراف المستقبل.
ختاما،في وقت تتكاثر فيه الشكاوى من تردي التعليم، قلما نجد من يتوقف ليشير الى النقاط المضيئة بانصاف وشجاعة. وقسم التاريخ في كلية التربية للعلوم الإنسانية – جامعة واسط كما بينت سلفا،يمثل احدى تلك النقاط التي تستحق ان ترى لا ان تهمل، وان تذكر لا ان تنسى.
ان تكريم الجهود الصامتة ليس مجاملة عابرة، بل فعل وعي ومسوولية اعلامية واخلاقية. فمن لا يحفظ جميل اساتذته، لن يكون اهلا لحمل امانة المعرفة ولا جديرا بالدفاع عن مستقبل وطنه.
وهنا تكتب هذه الشهادة لا لتجميل صورة، بل لتثبيت حقيقة: ما زال في جامعاتنا من يعلم بعقل، ويربي بضمير، ويصنع الوعي بصمت…
وذلك هو الرهان الحقيقي لاي نهضة ترجى.
فشكرا لهم…
بقدر ما علموا،
وبقدر ما صبروا،
وبقدر ما تركوا اثرا طيبا لا يزولش