الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الرأي الآخر.. حين تكشف الندوة ما تخفيه الجامعة

بواسطة azzaman

الرأي الآخر.. حين تكشف الندوة ما تخفيه الجامعة

عماد آل جلال

 

لم تكن الندوة التي بثتها احدى القنوات مجرد حوار أكاديمي عابر، بل جاءت أقرب إلى جرس إنذار دقه الدكتور كاظم المقدادي بوضوح وشجاعة، وهو يضع إصبعه على مكامن الخلل العميق في منظومة التعليم الجامعي العراقي، من المناهج إلى أساليب التدريس، وصولاً إلى البيئة الجامعية بوصفها حاضنة – أو طاردة – للمعرفة.

ما طرحه يختصر أزمة مزمنة، مناهج هرِمت قبل أوانها، ما زالت أسيرة التلقين والحشو، عاجزة عن مواكبة التحولات العلمية والتكنولوجية، ومنفصلة إلى حد مقلق عن متطلبات سوق العمل. الأخطر من ذلك أن تحديث هذه المناهج – إن حصل – غالباً ما يكون شكلياً، لا يمس جوهر الفلسفة التعليمية ولا يعيد تعريف وظيفة الجامعة.

أما أساليب التدريس، فحدّث ولا حرج. لا تزال القاعة الدراسية في كثير من جامعاتنا تُدار بعقلية "المحاضِر الأوحد"، حيث يُختزل التعليم في إملاء المعلومات، ويُقصى النقاش، ويُجرم السؤال أحياناً. وهنا تتحول الجامعة من فضاء لإنتاج المعرفة إلى مخزن للشهادات.

البيئة الجامعية، بدورها، لا تقل إرباكاً، مختبرات فقيرة، مكتبات هامشية، نشاط ثقافي باهت، وإدارة منشغلة بالإجراءات أكثر من انشغالها ببناء الطالب إنساناً ومفكراً. في مثل هذه البيئة، يصبح الإبداع ترفاً، والبحث العلمي استثناءً.

غير أن خطورة هذه الاختلالات لا تقف عند حدود الحرم الجامعي، بل تنفجر خارج أسواره، وتظهر بوضوح في الأزمة القائمة بين الجامعات الأهلية في إقليم كردستان والجامعات الأهلية في بقية المحافظات. فحين تغيب معايير موحّدة للمناهج والجودة والاعتماد، يصبح الاعتراف بالشهادة موضع شك، والتنقل الأكاديمي مشكلة، ومستقبل الطالب رهينة اختلاف الإدارات والقرارات.

الأزمة، في جوهرها، ليست صراع جغرافيا أو صلاحيات، بل نتيجة طبيعية لفشل المنظومة الوطنية في بناء مرجعية تعليمية موحدة، تحتكم إلى الجودة لا إلى الموقع، وإلى المعايير لا إلى الانتماء الإداري.

من هنا، فإن ما كشفته الندوة لا ينبغي أن يُحفظ في أرشيف البرامج التلفزيونية، بل أن يتحول إلى نقاش وطني جاد يعيد تعريف الجامعة العراقية:

هل نريدها مؤسسة تمنح شهادة، أم مشروعاً وطنياً لبناء عقل قادر على التفكير، والمساءلة، وصناعة المستقبل؟

السؤال مطروح… والإجابة لم تعد تحتمل التأجيل.

 


مشاهدات 54
الكاتب عماد آل جلال
أضيف 2025/12/17 - 1:48 PM
آخر تحديث 2025/12/18 - 10:20 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 446 الشهر 13309 الكلي 12997214
الوقت الآن
الخميس 2025/12/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير