مرحلة الطاقة الجديدة.. نهاية هيمنة النفط وبداية عصر الإلكترون

ماجد حميد عبد المجيد

 

لا يمر العالم بتحوّل سريع في مجال الطاقة من خلال مصادر متجددة (شمس، رياح، بطاريات، وكهرباء نظيفة لقطاع النقل والصناعة)، وان هذا التحول لا يهدف فقط لتقليل الانبعاثات، بل أصبح اقتصاديًا، حيث انخفضت تكلفة الطاقة الشمسية والرياح بشكل كبير، والنمو في قدرة التوليد المتجددة بدأ يغيّر خريطة الطلب على النفط على المدى المتوسط والطويل، وفي البداية يجب التعرف بشكل مبسط على مفهوم الطاقة المتجددة  وهي الطاقة التي تُستمد من مصادر طبيعية تتجدد باستمرار ولا تنفد مع الوقت، ومن اهم انواع الطاقة المتجددة هي :

الطاقة الشمسية : تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء (الأكثر انتشاراً عالمياً).

طاقة الرياح : استخدام التوربينات لتوليد الكهرباء.

الطاقة الكهرومائية : عبر السدود والمجاري المائية.

الطاقة الحيوية (Bioenergy) : من المخلفات النباتية والحيوانية.

الطاقة الجوفية (Geothermal) : حـــــــــرارة بـــــــــــاطن الأرض.

طاقة الأمواج والمدّ والجزر : مستخلصة من حركة البحار.

اما الخصائص التي تميز هذه الطاقة عن الوقود الاحفوري فهي:

مستدامة : تتجدد تلقائياً ولا يمكن أن تنفد.

نظيفة : لا تنتج انبعاثات كربونية أو ملوثات مثل النفط والفحم.

محلية : يمكن إنتاجها في أي دولة، مما يقلّل الاعتماد على الاستيراد.

آمنة : مخاطرها البيئية أقل بكثير من محطات الوقود الأحفوري.

وفي هذاالمقال سيتم مناقشة هذا الموضوع من خلال محاور متعدة وكما يلي:

اولاً: المشهد العالمي — حقائق رقمية رئيسية

ارتفاع عالي في انتاج الطاقة : حيث سجلت إضافات في القدرات المتجددة مايقارب الـ 473  كيكاواط من قدرة الطاقة المتجددة في عام 2023 وان هذا يعتبر رقم مرتفع يوضح تسارع نشر التقنيات مثل الـPV  والرياح، في حين في عام 2024 تمت إضافة نحو 585  كيكاواط من قدرة الطاقة المتجددة على مستوى العالم  وهو رقم قياسي سنوي جديد، وان هذه الإضافة تمثّل 92،5 بالمئة  من إجمالي الإضافة الجديدة في قدرة توليد الكهرباء عام 2024 مما يعني أن معظم التوسّع في الطاقة عالمياً من مصادر نظيفة.

حصة انتاج الطاقة النظيفة من الكهرباء العالمية في عام 2023 وتوقعات لغاية عام 2030:  في عام 2023 كان حجم توليّد الطاقة النظيفة بحدود 20 بالمئة  من الكهرباء العالمية، وان الوكالات العالمية تتوقّع أن ترتفع هذه الحصة إلى نحو 46 بالمئة  بحلول 2030 إذا استمرت السياسات الحالية وتسارّعت الاستثمارات، وان هذا يعني تراجعًا متوقعًا كبيرًا لحصة الكهرباء المنتجة من وقود أحفوري.

ان تكاليف الطاقة الشمسية تنافسية للغاية:  ووفقاً لإحصاءات حديثة، بلغ المتوسط العالمي لتكلفة إنتاج الكهرباء (LCOE) للمشروعات الشمسية على نطاق المنظومة نحو 0.043  دولار/كيلوات-ساعة في عام 2024  أي أقل بكثير من تكلفة بعض بدائل الوقود الأحفوري، وبسبب هذه التكلفة المنخفضة هناك توده عالمي نحو انتشار الطاقة الشمسية.

الطاقة الشمسية (Solar PV) وحدها زادت بـ مقدار 452 كيكاواط في عام 2024.

ثانياً: لماذا هذا التحوّل قد يعني «نهاية هيمنة النفط/الفحم/الغاز» مع مرور الزمن

لأن أغلب الطلب الكهربائي الجديد — وفي بعض الدول الطلب الكلي — يتم تلبيته من المتجدّدات وليس من محطات تعمل بالوقود التقليدي.

انخفاض تكلفة إنتاج الكهرباء من الشمسي/ رياح (نظرًا للاقتصاديات الحجمية وتحسن التكنولوجيا) يجعلها منافس جيد جدًا مع الوقود الأحفوري في كثير من الأسواق.

مع استمرار الزحف التقني (بطاريات تخزين، شبكات ذكية، كفاءة عالية) يصبح بإمكان المتجدّدات أن توفر طاقة موثوقة، مما يقلّل من الحاجة لمحطات تعتمد على النفط/غاز لتوليد الكهرباء أو لتغطية  ذروة الطلب.

على المدى المتوسط — حتى 2030 — من المتوقع أن تشكل المتجدّدات نسبة  كبيرة (حوالي 40–46 بالمئة) من الكهرباء العالمية، وهذا سيؤثر على الطلب العالمي على النفط/غاز إذا استمر هذا التحول في كل المناطق.

ثالثاً: التحوّل الآن مهم — وليس لاحقًا

لأن الاتجاه العالمي واضح: فالمتجدّدات تنمو أسرع من أي وقت مضى، وتصبح اقتصادية أكثر، وبذلك فأن العراق لو تأخر فلن يساير الإيقاع، وربما يفوّت فرص استثمارية كبيرة.

لأن الاعتماد الحالي على النفط/غاز مستقبلًا سيصبح أكثر مخاطرة — مع تقلّب أسعاره، ضغوط بيئية، تغيّرات سوق الطاقة دولياً.

لأن مطالب الطاقة في العراق (سكان، صناعات، خدمات) تتزايد — التحوّل للطاقة المتجددة سيخفّف العبء على الميزانية الحكومية، يقلّل الاعتماد على الاستيراد، ويزيد من الأمن الطاقي.

تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء بخفض التكلفة على المدى الطويل: مع النمو السكاني والاقتصادي والطلب المتزايد على الكهرباء (تبريد، صناعات، خدمات)، المتجدّدات توفر خيارًا مستدامًا وأقل عرضة لتذبذب أسعار النفط.

تقليل الفاقد والانقطاعات: مع شبكة متجددة موزّعة (شمس على الأسطح + محطات موزعة) يقل الضغط على البنية التحتية الحالية ويمكن تقليل الانقطاعات.

مزايا بيئية وصحية: تقليل الاعتماد على محطات تعمل بالوقود الأحفوري يعني تقليل التلوّث، خفض الانبعاثات، تحسين جودة الهواء، وخفض الأضرار البيئية.

رابعاً: لماذا هناك فُرصة كبيرة للتحوّل الطاقي في العراق

موارد شمسية ممتازة ومواقع واسعة أراضي قابلة للمشروعات الكبيرة (فوق ذلك تكلفة الأرض داخليًا أرخص من دول الخليج لبعض المشاريع، حيث ان خرائط الإشعاع الشمسي تُظهر أن معظم المناطق العراقية تتمتع بإشعاع شمسي يومي مرتفع (بعض المناطق تصل 5.5–7 كيلوات-ساعة/م²/يوم)، ما يجعل العراق مرشحًا ممتازًا لمشاريع PV  ومشاريع الطاقة الشمسية المركزة (CSP) وحتى مشاريع الهيدروجين الأخضر مستقبلاً.

الاقتصتاد العراقي بحاجة للتنويع وبذلك فأن انخفاض الاعتماد على النفط سيقلّل التقلبات ويعزّز القدرة المالية العامة.

ان اعتماد الاقتصاد العراقي على النفط على مدى العقد الأخير مما شكلت عائدات النفط نسبة كبيرة من الصادرات (أكثر من 99بالمئة)، و حوالي 80-85 بالمئة من إيرادات الحكومة، ونحو أكثر من 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي —  مما يجعل العراق من اكثر عرضة لهزّات أسعار النفط وتقلباته.

تكلفة تقنية متاحة عالميًا:  مع تراجع الــ  LCOE (التكلفة الموحدة للطاقة او الكهرباء) تصبح مشروعات الطاقة الشمسية والرياح قابلة للتنافس مالياً مع البدائل التقليدية.

خامساً: ماهي العقبات الرئيسية أمام العراق ؟

بنية تحتية كهربائية متقادمة (شبكات، نقل، فقد شبكي كبير).

حاجز التمويل: الحاجة إلى رأس مال أولي كبير لمشروعات الشبكات والطاقة المتجددة والبطاريات.

إطار تنظيمي واستثماري يحتاج إصلاح (تراخيص، شروط شراء الطاقة، جذب الاستثمار الخاص).

وفي النهاية بالامكان تقديم خارطة طريق مقترحة للتحوّل من النفط إلى الكهرباء المتجددة/الهيدروجين وكما يلي:

اولاً: سياسات وإطار تنظيمي

إصدار سياسة وطنية للطاقة المتجددة واضحة (قابلة للتحديث كل 2 سنة)، تتضمن أهدافًا رقمية (مثال: الوصول إلى 20 بالمئة من الكهرباء من المتجددات بحلول 2030 — وهو هدف سبق أن طرحته الحكومة). هذه السياسة تُحدِّد آليات دعم مؤقتة (، وبالامكان تنفيذ هذه الخطوة في هذه المرحلة من خلال تشكيل لجنة وطنية تضم وزارات (النفط، الكهرباء، المالية، البيئة) وخبراء دوليين لإعداد سياسة خلال 6 أشهر.

تسهيل شروط عقود شراء الطاقة طويلة الأجل (PPAs) للمستثمرين الأجانب والمحليين مع ضمانة للدفع من خزينة الدولة أو آلية تمويل دولي — لجذب تمويل المشاريع كبيرة الحجم.

ثانياً: مشاريع تقنية

مشروعات شمسية على نطاق المرافق (Utility-scale PV) في المناطق الصحراوية القابلة، بقدرات مرحلية: 500–1000 ميغاواط في المرحلة الأولى، مع توسيع لاحقًا، وذلك من الاستفادة من LCOE المنخفض لخفض تكلفة توليد الكهرباء العامة.

نشر أنظمة الطاقة الشمسية الموزّعة (رووف- توب) على المباني الحكومية والمدارس والمستشفيات لتخفيض فاتورة الوقود المُستَخدمة في التوليد الطارئ وزيادة المرونة.

محطات هجينة غاز- شمس:  تحويل بعض محطات التوليد القائمة لعمل هجينة (بشكل عاجل للاستفادة من البنية الحالية + خفض استهلاك الوقود).

تجارب تخزين طاقة (بطاريات شبكية ومجتمعية) لرفع القدرة على استيعاب الطاقة الشمسية.

مشروعات تجريبية للهيدروجين الأخضر (كمنتج للتصدير أو للاستخدام في الصناعات الثقيلة)، بالاستفادة من الطاقة الشمسية المركّزة الضخمة.

ثالثاً: تمويل وحوافز

انشاء صناديق تمويل مشتركة (مبادرات الشراكة العامة-الخاصة) مع مؤسسات دولية (البنك الدولي، المصرف الإسلامي للتنمية، بنوك تصديرية) لخفض تكلفة رأس المال.

حوافز ضريبية وإعفاءات للاستثمارات المتجددة لفترات محددة، وتسهيل إرجاع أرباح المستثمرين لتقليص مخاطر السوق.

رابعاً: بناء القدرات والتوظيف

برامج تدريب مهني وتقني لتأهيل الكوادر المحلية لتركيب معدات الطاقة الضوئية، صيانة توربينات، تشغيل محطات بطارية، إدارة مشاريع). هذا يخلق فرص عمل ويخفض الاعتماد على استقدام خبراء خارجيين).

حملات توعية ومشاركة مجتمعية لشرح مميزات المشروعات واشتراك المجتمع المحلي في الفوائد الاقتصادية

خامساً : مقترحات نوعية

خلق وظائف في قطاع الطاقة المتجددة والتصنيع والخدمات المرتبطة بها.

تحسين أمن الطاقة وخفض الانقطاعات عبر أنظمة موزعة وشبكات أكثر مرونة