الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تطواف الغريب (2)

بواسطة azzaman

تطواف الغريب (2)

حسن النواب

 

تركتُ الحديقة هابطاً منحدراً طويلاً يفضي إِلى شارع حيوي مزدحم بالناس، على مهل بدأت أنقل خطواتي، تشبّعتْ عينايَ خلالها من رؤية أناث مغريات بسيقان مثيرة بعريها، ازدحمت بشوارع ومتاجر تسوّق ومطاعم وحافلات نقل وساحات عامة، كأنه مهرجان سيقان باذخ تتبارى فيه نسوة من جميع البدان بعرض رشاقة أفخاذهن وأردافهنَّ، أنه موسم الصيف الذي يبدأ في شهر كانون الأول، بينما العالم بأسره يتدثر بمعطف الشتاء؛ صيف لذيذ حيث لا يستر جسد النسوة سوى سراويل قصيرة وقمصان شفافة تكشف بوضوح عن نهودهن، استلذ في الواقع بمشاهدة سيقان أناث بلون ذهب وفضة وقهوة وفحم وعسل وحنطة وجليد ونبيذ وشمع وزبدة وقشطة، مثلما أبصرتُ فراشات وزهور وشفاه مكتنزة وحيوانات برع الفنان بنقشها على أفخاذ مراهقات طافحات بالشبق، رأيتُ فاجرة وقحة نقشت على فخذها عضواً ذكرياً مشنوقاً بحبل غليظ، نقوش غريبة وشاذة على سيقان مفتولة ومرصوصة ومرمرية ومترهلة ورشيقة ومصقولة وسمينة ونحيفة ذكّرتني ببردي الهور، سيقان مثيرة عند احتكاكها بقماش السروال تزقزق كعصافير دعتني أطاردها أشبه بمعتوه، وأنا أتلفت يمينا ويسارا، من هنا خطفت فتاة بساقيّن من عاج، وفي الزحام لامست أصابعي نهد امرأة برقّة مشمش، دختُ وسط غابة سيقان شهية وساحرة، لقد حاصرتني من جميع الجهات، خطرت بذهني فكره غريبة، تمّنيتُ أن تُشيّد أسوار المنازل وحدود البلدان من سيقان النساء! وتخيّلتُ حواجز الإسمنت بوطني تتحوَّل إِلى مزهريات ضخمة طافحة بالورد، شعرتُ بفزع إذْ هبط أمام أنظاري فجأة مشهد تطاير الورد محترقاً مع الجثث نتيجة انفجار.

بعد مضي عامين

أدركني الوقت ولم أنتبه لذلك، لم تبق إلاّ ساعتين وتقرع أجراس عام جديد، حيرة حاصرتني، لا أعرف إِلى أين أمضي وفي أي مكان سأقضي سهرتي هذه الليلة، العام الماضي احتفلت مع صديقي إيفان الروسي بمرقص يطلُّ على نهر سوان بمنطقة Hillary’s، لن أذهب إِلى هناك، شبعتُ من رؤية جنون رقصهم وتبادل قبلاتهم الحرّى، بعضهم عندما يثملون؛ بلا حياء يخلعون ملابسهم ويصبحون عراة، تذكرّت هجوم قطيع فتيات عاريات للمرقص وقدْ ملأن المكان بعبثهن وصراخهن وشبق مثير، بعضهن انصهرن بعناق شهواني وهياج مخيف حتى ارتعشت أفخاذهن من قوة الشهوة أمام مرأى الحاضرين، ومن ذهولي غصصت بعظمةٍ كادت تكتم على أنفاسي، بينما كنت أتناول وجبة عشاء من سمك البير لندي مع إيفان، أحب هذا السمك لأنَّ طعمه قريباً جداً من سمك البُني في العراق، لبثتُ أفكّر بعمق عسى أهتدي لمكان هادئ ووديع، لا أريد صخباً وضجة موسيقى وسماع صياح مراهقين ومراهقات، التقطت حقيبتي وهبطت سلالم العمارة بسرعة، وانطلقت أمشي على رصيف شارع تضيئه زينة أعياد الميلاد، يؤدي لحديقة Hyde park الهايد بارك، وصلت بوقت مناسب، حشودٌ تجلس على مرج الحديقة، كل منهم يحمل شمعة بيده، امتلأت روحي بالحبور عندما شاهدت منظرهم الساحر مع غروب الشمس، كأني أقف أمام بحيرة ذهبية يتحرك موجها برشاقة نتيجة حركة أكفّ الناس التي تحمل الشموع، أصغيتُ لترانيم رومانسية ترددها حناجرهم من أعماق قلوبهم.. تتخللها ضحكة الكوكوبارا بين فينة وأخرى، موعد ضحكته، يطلقها مع غروب الشمس وبزوغ الفجر، دخلتُ وسطهم لأجلس بجوار طفلة منغولية مقعدة، رفّ قلبي وانحنيت برأسي نحو كفها وقبّلتها، فتحت فمها وقالت بمرح وببراءة:

أشكرك. أنت تشبه أبي.

احتشد الدمع بعيني حتى ساح على خدي، كل حواسي انسجمت معهم بتوقٍ روحي إذْ شاركتهم الترانيم، تقدم مني أحد الرهبان وأهداني شمعة مشتعلة، تبسّمت بحزن وفي أعماقي انبثقت لذة طاهرةأخذتُ أردّد مع حشود المحتفلين بشجن ساحر:

اليوم، يوم المجد

ويلٌ لنا سينتهي اليوم

اليوم يخبرنا عن انتصار

على عدو مهزوم

لامعٌ شروق شمس الصيف

كثيرٌ في شهر ديسمبر

بأبوابك حياة تنهض

أيها الأمراء

دعوا الصبي يولدْ.

 

 


مشاهدات 121
الكاتب حسن النواب
أضيف 2025/12/15 - 3:55 PM
آخر تحديث 2025/12/16 - 10:02 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 717 الشهر 12035 الكلي 12995940
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/12/16 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير