الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أين يقف الوضع الآن؟ (2) 

بواسطة azzaman

أين يقف الوضع الآن؟ (2) 

متى يتغيّر النظام في العراق؟

منقذ داغر

 

«العالم القديم يموت والعالم الجديد يصارع كي يولد، اما اليوم فهو زمن الوحوش»

أنطونيو غرامشي

لا شك في ان العراق يجتاز مرحلة انتقالية كبرى في حياته بدأت بعد الاحتلال في 2003. هذه المرحلة لم تقتصر على تغيير نظام الحكم  governing regimeبل تعدت ذلك الى النظام السياسي political system وفقاً للتعريف الذي تم تبنيه سابقاً حيث لم يقتصر التغيير على النخبة الحاكمة فقط، ولا على قواعد العمل السياسي، ولا حتى علاقة الحاكم بالمحكوم، بل امتدت لتشمل طبيعة النظام وفلسفته ومؤسساته وخريطة توزيع القوة. أكثر من ذلك فأن ذلك التغيير امتد ليشمل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية مصحوباً بانكشاف غير معهود للمؤثرات الإعلامية والتكنولوجية والإقتصادية والثقافية الدولية بحيث وجد العراقيون فجأةً أنفسهم مكشوفين امام العالم ومطّلعين على ادق تفاصيله بعد ان كانوا يسكنون كهفاً مغلقاً بإحكام يمنعهم من التفاعل مع العولمة بكل أذرعها وتجلياتها.

مستلزمات الحياة

أن اتساع،وشدة، وسرعة التغيرات التي تعرض لها العراقيون ربما جعلتهم ينسون ان نسبة من كانوا يمتلكون موبايل،أو يشاهدون قنوات فضائية في 2003 كانت 0بالمئة. وأن نسبة من يمتلكون الإختراع الذي اسمه جواز سفر لا يتعدى 10-20 بالمئة في أحسن الأحوال. وأن الدولة كانت مسؤولة ليس فقط عن توفير حليب الأطفال، بل كل مستلزمات الحياة وفق خيارات تقررها الدولة لا المواطن. كل ذلك تغير بين ليلة وأخرى بحيث واجه العراقيون صدمة الحضارة والعولمة دون أي تهيؤ سابق او تدريجي مثلما حصل مع شعوب الأرض الأخرى. وبعد ان اعتاد العراقيون لعقود طويلة على دولة قوية شمولية صارمة ذات رأس واحد وحزب واحد،فوجئوا بدولة ضعيفة، مختارة من المحتل،ومسلوبة الإرادة لصالح قوى خارجية غربية وشرقية، تتعدد فيها الرؤوس والقرارات ومراكز القوى! فيها مئات الأحزاب والمنظمات وأجهزة الأعلام في مشهد فيه من الفوضى بقدر ما فيه من الحرية، وفيه من الإنفلات بقدر وربما أكثر مما فيه من ديموقراطية،وفيه من الدولة اقل بكثير مما فيه من اللا دولة. هذا التحول الجذري والسريع في نمط الحياة السياسية والاجتماعية والإقتصادية،وبغض النظر عن رأي البعض بإيجابيته أو سلبياته، ترك بلا شك كثير ممن لم يستطيعوا مواكبته فباتوا على الهامش او منخرطين في هذا التغيير الشامل دون تحضير وتهيؤ لمواكبته. تفشت ظاهرة التنافر الإدراكي cognitive dissonance  أي التناقض المدرَك من قبل الناس بين ما تعودوا عليه وآمنوا به لسنين طويلة ورسخ في أذهانهم وبين ما يشاهدوه يومياً من تغيير سريع وشامل في كل مناحي الحياة يتناقض مع ما ألفوه وعرفوه. بأختصار، فقد وجد العراقيون انفسهم في ظلال معارك متعددة عليهم ان يخوضوها يومياً في الحياة وعلى التلفاز وعبر اثير الانترنيت بعد ان كانوا متعودين ان يناموا مبكراً بعد سماع اخبار القائد الضرورة، ويصحوا مبكراً على زقزقة بلبل إذاعة بغداد. هذا التغيير الكبير شبيه جداً بما رصده علماء بارزون في اوربا وامريكا في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حيث التحول السريع من المجتمعات التقليدية الى المجتمعات المعاصرة. يقف المفكر الشيوعي الإيطالي غرامشي Gramsci والمفكر الفرنسي توكفيل Tocqueville في مقدمة أولئك الذين قدموا لنا تصورات ونماذج تحليلية مناسبة لواقعهم يمكن الإستفادة منها في تحليل طبيعة التحولات السياسية والاجتماعية الكبرى التي يتعرض لها العراق حالياً.

رصد غرامشي الذي رغم تأثره بالفكر الماركسي،الا انه ركز على الأسباب الاجتماعية وليس فقط الاقتصادية للتغيير، التحولات الكبرى التي كان يمر بها المجتمع الإيطالي في نهاية القرن التاسع عشر، والمشابهة لما يمر به العراق اليوم لا من حيث طبيعة المشاكل، بل حجمها ،وسرعتها، وشدة تأثيرها. جادل غرامشي بأنه في مثل هذه اللحظات التاريخية الانتقالية حيث يشيع عدم اليقين وعدم الاستقرار، وحيث يموت القديم ويصارع الجديد كي يولد، فأن القوى الرجعية هي التي تهيمن، مما يخلق أرضا خصبة للتطرف والاستبداد أو ما اسماهم (الوحوش)السياسية.

نظام قديم

أنهم الشخصيات أو الحركات الطفيلية والنفعية التي تزدهر في أوقات الفوضى. في تلك اللحظات حيث تتآكل شرعية النظام القديم، في حين تستمر مؤسساته في العمل بطريقة مختلة ومتحللة، تنشأ حركات وأيديولوجيات جديدة، لكنها تفتقر إلى التماسك أو الهيكل أو القدرة على استبدال النظام القديم بالكامل. ولكي تعوا مدى انطباق هذا الوصف على العراق لاحظوا مدى اتساع ظاهرة «وحوش السياسة».

فمثلاً بلغ حجم المليارديرات الذين برزوا فجأةً في العراق خلال العقد الماضي أكثر من 35 مليارديراً وهو ما يعادل تقريباً عدد كل المليارديرات في كل الدول العربية!!  والمثير للانتباه انه مع هذه الكثرة للمليارديرات العراقيين فأن القطاع الخاص العراقي يعاني من ضعف وهزال شديد مصحوب بتآكل خطير لقاعدته الصناعية والزراعية وحتى الخدمية فمن أين جلب هؤلاء كل هذه الأموال؟! لاحظوا مثلاً عدد الميليشيات في العراق والتي يقدر عددها بأكثر من 100 ميليشيا تتحكم بكثير من مفاصل العملية السياسية ومفاتيح الاقتصاد العراقي.

لاحظوا ايضاً عدد الأحزاب السياسية في العراق التي تكاثرت مثل الأرانب ليبلغ عددها حتى منتصف 2025 نحو 343 حزباً معظمها او جميعها مثل الماء لا لون ولا طعم ولا رائحة لها ولا يستطيع احد الإمساك ببرامجها السياسية!!

في ظل هذه الظروف طرح غرامشي سؤالاً مهماً ثم قدم إجابة رائعة عنه باتت من اهم ما قدم هذا العالم في ادبيات الإجتماع السياسي. السؤال هو: إذا كانت الجماهير تنظر وتعي مدى سيطرة وحوش السياسة «الطفيليين» على مقدراتها ومصيرها فلماذا لا تثور عليهم؟ إذا كانت شروط الثورة الموضوعية ناضجة فما الذي يمنع الجماهير من الثورة؟ بعبارة أخرى: ما الذي يمنع العراقيين من الأنتفاض على أوضاعهم ما داموا يدركون مدى سوئها؟! لماذا من الصعب اعادة لحظة تشرين 2019 حسب رأي غرامشي؟

سياسة إهمال أم تقصير إداري؟

 

 


مشاهدات 65
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/09/03 - 3:16 PM
آخر تحديث 2025/09/05 - 7:23 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 641 الشهر 3626 الكلي 11421499
الوقت الآن
الجمعة 2025/9/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير