مراكز الدراسات حضور خافت
علي جاسم الفهداوي
تزايد عدد مراكز الدراسات البحثية في العراق بعد عام 2003، لكن حضورها في النقاش العام وصناعة القرار ما يزال محدوداً ، فالكثرة لم تتحول إلى تأثير، وبقي الدور المعرفي لهذه المراكز دون مستوى التوقعات.
أهم أسباب ذلك يتمثل في غياب الوضوح في الدور؛ إذ لم تحسم كثير من المراكز موقعها بين البحث الأكاديمي والعمل الاستشاري أو النشاط الإعلامي، فاختلطت الأدوار وتراجع الإنتاج العلمي، فالمركز البحثي يُقاس بما يقدّمه من دراسات رصينة، لا بعدد فعالياته الشكلية، فهود أدعى إلى التوثيق والبحث التأصيلي... كما أن ضعف الاستقلالية أضرّ بمصداقية بعض هذه المراكز حين يُنظر إليها بوصفها قريبة من جهات سياسية أو ممولين محددين، والبحث العلمي لا يزدهر إلا في بيئة تسمح بحرية السؤال وتعدّد المقاربات.
أضف إلى ذلك أن الجامعات منشغلة بالمتطلبات الإدارية والترقيات أكثر من اهتمامها بالبحث النوعي، وأما العلاقة مع صانع القرار (الدولة) فغالباً ما تبقى محدودة، إذ تُتخذ القرارات وفق اعتبارات آنية لا تستند إلى المعرفة البحثية.
ثمة حقيقة يجب التنبيه عليها لمن أراد النهوض بمراكز الدراسات هو ضرورة تحديد دورها، وتعزيز استقلاليتها، وبناء فرق بحثية صغيرة وجادة، فمراكز الدراسات ليست ترفاً فكرياً، بل إحدى أدوات التخطيط الرشيد...والسؤال هنا: هل المشكلة في هذه المراكز، أم في بيئة لا تزال تنظر إلى البحث بوصفه ترفاً لا ضرورة؟