الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاعر أمين جياد: كنت أكتب في المساحات البيضاء من الكتب المدرسية بعضا مما أفكر به

بواسطة azzaman

الشاعر أمين جياد: كنت أكتب في المساحات البيضاء من الكتب المدرسية بعضا مما أفكر به

علي الدليمي

 

أمين جياد: أديب وشاعر بصوت شعري جميل ومميز، قدم من بعقوبة مدينة البرتقال والطبيعة الخالدة، ليحط رحاله في بغداد، عاصمة ومحطة الشعر والشعراء، ليكرس إبداعه لخدمة الناس والقيم الإنسانية السامية مثل: الحب والسلام والأمن...

يمتلك جياد مسيرة حافلة وغنية مع نغمات الشعر الحر، حيث صقل تجربته لتصبح له بصمة فريدة ورائعة. تمثل تعبيراً ذاتياً عميقاً يلامس بصدق اهتمامات القارئ المثقف والمجتمع على حدٍ سواء.

صدرت له عدة مجاميع شعرية، أبرزها: "قصائد لا تحرقها النار 1986" و "لمَن أقول وداعا 1993" و"أحجار الوقت 1996" و"إن نسيت فذكروني 2017" و"إرنانات النسيان 2017" و"جذور الهواء".. وهو الآن في صدد التحضير لإصدار مجموعته الجديدة التي آثر عدم الكشف عن تفاصيلها حتى ترى النور بشكل نهائي.

بدأ الشاعر مسيرته في عالم الكتابة النثرية مع مطلع السبعينيات، حيث نشر إنتاجه حينها في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية المعروفة.

إلا أن بداياته مع الشعر كانت سابقة لذلك؛ ففي عام 1967 كتب قصيدته البكر بعنوان "النجاح"، والتي تكونت من أربعة عشر بيتاً شعرياً عمودياً. وقد تواصلت كتاباته الشعرية حتى نُشرت له قصيدة أخرى في عام 1969، ليكون هذا النشر إيذاناً بانطلاقة شعرية لم تنقطع حتى هذه اللحظة.

التوقف عن النشر والتعمق في المعرفة

توقف جياد عن النشر مؤقتا بعد أن استهوته القراءات المختلفة في شتى أجناس الأدب والمعارف الأخرى. أدرك حينها أن الكتابة تتطلب مسؤولية كبيرة تجاه التواصل ورعاية الموهبة وصقلها.

اتسعت آفاقه في البحث عن الكتب والمصادر التاريخية والأدبية والفلسفية، فوجد نفسه أمام مرحلة جديدة مغايرة لقراءاته السابقة.

كانت فرصته الذهبية للقراءة الأولى في مكتبة بعقوبة المركزية (مسقط رأسه/ عام 1951)، حيث كان يقضي فيها الساعات الطوال بعد الانتهاء من دوامه المدرسي في إعدادية بعقوبة للبنين، نظراً لقرب المكتبة من منزله، أتاحت له فرصة استعارة الكتب القيمة، وكأنها "كنز" يأخذه إلى بيته ليقضي الليالي في دراستها.. أمكنته هذه القراءة المفعمة بالبحث والدراسة والتأمل من الشعور بالمزيد من المعرفة كلما قرأ كتاباً، وفي الوقت ذاته، كان يشعر بالجهل كلما تصفح كتاباً لم يقرأه بعد، مما حفزه للمزيد.

يتذكر أمين جياد جيداً بعض مراحله الأولى في علاقته بالكتابة، إذ يقول: "كنت أكتب في المساحات البيضاء من الكتب المدرسية بعضا مما أفكر به أو تفيض به تأملاتي، حتى امتلأت الكتب الدراسية بالنصوص. ومن ثم بدأت بنقلها إلى دفتر مخصص لي."

لم تقتصر جهود أمين جياد على الكتابة الفردية، بل شارك صديقه عامر مطر في إعداد النشرات الجدارية الكبيرة. كانت هذه النشرات بمنزلة مجلة مصغرة تتضمن مواضيع متنوعة وشاملة.

لإنجاز ذلك، كان الاثنان يشتريان الأقلام الملونة والورق المقوى الكبير (الكارتون)، ويسهران على إعداد تلك النشرات التي لاقت استحساناً كبيراً من المدرسين والطلبة على حدٍ سواء.

وعلى الصعيد الشخصي، يتذكر أمين جياد تلك المرحلة قائلاً: "كنت أكتب قصائدي وأحتفظ بها بين عامي 1968 و1970، إلى أن أحسست أن الكتابة أصبحت شغلي الشاغل وهاجسي اليومي." ويضيف: "كنت أغامر في نشر بعض قصائدي وأرسلها عبر البريد المسجل إلى صحف ومجلات داخل العراق وخارجه، وكم كانت تسعدني حين أراها منشورة."

وحينما انتقلت للدراسة في جامعة بغداد، انفتحت أمامي عوالم أخرى؛ فتعرفت على أماكن الصحف والمجلات وابتدأت النشر بكثافة لما كان بحوزتي من قصائد. كان ذلك في الأعوام من 1970 حتى 1973. وعندها، عرفني بعض الأدباء الذين كنت ألتقيهم في بغداد، وكانوا يتصورون أن عمري لا يتناسب مع ما أكتب، إذ عدّوني أكبر سناً من عمري الحقيقي."

لهذا أصبح الشعر كيانه الذي يتنفس فيه، وهو التأمل الذي عرفه صغيرا، فكان يحاور الأشياء المحيطة به. كان يعرف سرّها فيكتبها، لكنه يبقى في حالة تساؤلات تُربكه، ويكون قريباً من تعريفها عبر الكلمات التي تظل تضرب في رأسه ببراءة.

حاول جياد مراراً التحرّر من هذا الهمّ الذي ظلّ يكبّله زهاء أربعة عقود، لكنه لم يستطع مغادرته. فبقي مُكبَّلاً بأعباء همومه، وتجاربه الإنسانية، وعلاقاته العاطفية، وفي مقدمتها الصداقة التي استهلكت الكثير من وقته.

ولأنّ الشعر كان مُتنفَّسه الوحيد، فقد ظلّ يَنزفُ به حتى اكتمل البحر في أمواجه وجلجلته ولُجَجِه. وبدافع عشقه للحياة بصفائها وألوانها وأصواتها وعذاباتها، بقي جياد متشبثاً بروحه كي لا تغرق.

ظلت الكلمات تسحبه كغريق إلى قاع بحر تتلاطم أمواجه في أعماق نفسه، حتى ألِفت روحه هذه العزلة، وهذا التأمل، وذاك العذاب. هذا ما صَيَّرَه يترقب كل شيء، فيكوِّره في عينيه النافذتين إلى أعمق الأسرار.

حينها، اكتشف جياد مواطن الجمال الأخرى في تجربته وحبه، وأبوابه المغلقة التي بدأت تُفتَح يوماً بعد يوم. فعرف المعالم الحقيقية في روحه وحياته وفي طيات الكتب التي قرأها. وأخذت هذه المعارف تتراكم وتزداد يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة، حتى ألِفَتْها روحه وتشرّبتها.

ويختتم جياد هذه الخوالج، قائلاً: "تشابكت تلك المعارف القديمة بتجربتي الشعرية، التي انفردتُ فيها عن الآخرين، وصرتُ أولي اهتمامي لتلك التجربة التي استحوذت على كل حياتي. لهذا، ما زلتُ أطرق باب الشعر بحثا عنه فينفتح أمامي كالنجوم الساطعة"

 

 


مشاهدات 68
أضيف 2025/12/14 - 2:29 PM
آخر تحديث 2025/12/15 - 8:19 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 242 الشهر 10819 الكلي 12994724
الوقت الآن
الإثنين 2025/12/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير