العراق ليس مسرحاً للدمى ومن يعبث بالمنصب يُدنّس هيبة الدولة
حيدر صبي
في كل مرة يقترب فيها العراق من منعطف مصيري خطير ، تخرج علينا كائنات بشرية غريبة تطفوا الى السطح تتخذ شكل “ مخلوقات سياسية ” تُدهش بل تصدم حتى أصحاب التجارب المريرة ، كائنات تتخفّى ببدلات رسمية وتتباهى بأكوام شهادات ( بعض منها مزورة ) تكشف عن عمق هشاشتها الفكرية وعن الكم الكبير من السلوكيات المنحرفة عن قاعدة المعقول منها . . كائنات أشبه بما تطرحه استوديوهات الرسوم المتحركة عندما تبحث عن شخصية كوميدية تفشل دائماً ولكنها لا تموت لأنها ببساطة لا تدور أصلاً داخل اوربيتالات السياسة الحقيقية بل هي دائرة بفلك لهاثها عن المصالح الشخصية .
هذه النماذج التي تُساق إلى الواجهة ليست عفوية بطبيعة الحال ولم تأتِ من فراغ ولم تُخلق صدفة ،
إنها جزء من مشروع مُحكم يعمل على إغراق مقام رئاسة الوزراء بوجوه لا تملك من الوقار إلا الياقة المنشّاة ، ولا من العقل إلا ما يكفي لإشعال ضحكات ساخرة في المجالس العامة .
انه مشروع يريد للعراقي أن يعتاد على رؤية “ التافه ” وهو يطرق باب المنصب الأول في الدولة ، حتى يسقط هيبة المنصب في نفسيته ثم ليدحظ مقاليد احترامُه لكل كيان الدولة ببهلوانيات الغبي المتذاكي .
ترشيح أم اِهانة للمنصب
تقديم الشخصيات الهزيلة رسمياً للترشح ، لايقرأ كاستحقاق أقرّ من قبل الدستور بقدر ما هو إهانة وطنية مقصودة وموجهة من قبل جهات بعينها بهدف ( تقديم الأسوأ لتمرير السيّئ ، وتقديم الهزيل لتذويب هيبة المنصب وتقزيمه ) .
نعم وتقديم شخصيات لا تصلح لإدارة مقهى في أطراف العاصمة ، والانكى من هذا يطلبون منّا ان نركع لهم ونسبّح بحمدهم بالعشية والآصال ، فهم سلالة الشرف ومصاديق الايمان ، فأي رزية اصبحنا امامها لنتعبدهم حكما ً ونص وسلطة .. نتعايش معهم بما سنعيشها من سنين عجاف تحت وارف ظل حكم امثال تلك النكرات ان وصلوا لاسامح الله لمنصة الحكم .
هو العبث السياسي .. وأيّ يد تريد أن تحوّل دولة الحضارات الى غرفة تجارب للدمى المتحركة ؟ .
العراق اليوم لا يواجه أزمة مرشحين ، بل يواجه أزمة من يريد أن يستنزل المنصب من عليائه الى مستوى من الضحالة ليسمح لامثال هؤلاء بالترشح . مع ذلك ، ورغم هذا الانحدار المصطنع ، تبقى هناك حقيقة لا يمكن لعاقل أن ينكرها تقول ؛
" العراق لم يعد يتحمل أن يكون حقلاً للتهريج السياسي فكفى " ، فالمنصب أعقد من أن يُسلّم لرجل محدود الخبرات ، اقبح من تدوير مجرب فشل باداء مهمته ، وأخطر من أن يُدار بذهنية موظف ، وأكبر من أن يُختزل في اسم هابط تطرحه الصدفة أو الأهواء أو الحسابات الضيقة .
نحن أمام شرق أوسط يُعاد رسمه ، وتحولات دولية تتغير فيها قواعد اللعبة كل يوم ، واقتصاد يترنح تحت أثقال الفساد ، وأمن يتآكل بسبب ازدواجية القرار ، ومشكلة فصائل منها اندمجت اسماً بالحشد ولكنها بقيت خارج سلطة القائد العام .
هذه ليست لحظة تُدار بالابتسامات المصطنعة ولا بالجعجعة التلفزيونية ، بل بلحظة تحتاج رجل دولة يملك الجرأة والرؤية والقدرة على مواجهة مراكز القوة لا التعايش معها على حساب سيادة البلاد .