قمة الخليج تنشد التعافي
فاتح عبدالسلام
منذ سنوات عديدة شهدت قمم مجلس التعاون الخليجي حضور زعماء من خارج المنظومة الخليجية في دلالة سياسية واضحة تتجاوز البروتوكول والضيافة العادية وكان ذلك نوعاً جيداً من الانفتاح والتفاعل الدولي والإقليمي يحسب لقادة الخليج. وكان لحضور الرئيس التركي أو الرئيس الايراني مثلاً في قمم سابقة دور في تهدئة عدد من الملفات التي تشهد مشاحنات بين الدول.
لكن المسألة الرئيسية في هذه المنظومة التي تأسست ابان حرب الخليج الأولى التي اندلعت بين العراق وإيران في ثمانينيات القرن الماضي، هي انّ كثيراً من الاحداث والصراعات والتغييرات الدولية والإقليمية كانت أكبر من عجلتها التي عانت التكبيل الطوعي أو القسري ما أعاق أن يكون لمجلس التعاون الأثر القوي في الاحداث. ولعلّ أمراضاً انتابت القمم العربية العامة تسللت تدريجياً الى القمم الخليجية التي تحمل صفات تخصصية ظن المراقبون لفترة طويلة انها تحميها من التصدعات أو من الأداء الفاتر في أقل تقدير. ومن امثلة ذلك عدم اكتمال نصاب حضور القادة دفعة واحدة واكتفاء بعضهم بتمثيل عالي المستوى فقط.
هذه القمم الخليجية تتوافر على دول الثقل المالي والاستثماري الهائل الذي ينافس النفوذ السياسي بل يصنعه غالبا، غير انها لم تنتج القرارات الاستثنائية التي اتخذتها دول المنظومة، كل واحدة منها على انفراد في القضايا الأساسية والاستراتيجية، فالقمم الخليجية لم تنتج قرارات بشأن التطبيع مع إسرائيل في حين تمت تلك التسويات بشكل ثنائي خارج المنظومة. كما انَّ أسعار النفط والطاقة وحماية ممرات النقل لم تكن نتاج قرارات موحدة في المنظومة الخليجية وانّما عبر اجتهادات دول بمفردها في التنسيق العالمي عبر قنواته المعروفة.
بقي هناك شعار واحد تلتقي حوله دول الخليج ويتكرر في كل قمة ، وهو انّ أي اعتداء على دول خليجية يعني الاعتداء على كامل دول الخليج، وهذا أمر دقيق لا يمكن المرور عليه كحقيقة مسلم بها، اذ يحتاج الى تفاصيل معقدة وكثيرة ومتشعبة تتعلق بطبيعة أنظمة الحكم والملفات الثنائية أو أحيانا الثلاثية بشأن مشاكل أو مواقف أو تطورات، كما انّه يخص التزامات دول بعينها برؤى وسياسات لا تحيد عنها وقد تمنعها من التفاعل الإيجابي والمباشر مع ذلك الشعار، انطلاقا من فهم انّ الازمات تعبر والدول بكياناتها الأساسية باقية، ولا يصح تغليب أزمات مرحلية على أساسيات لا تتغير بحكم الجغرافيا والتاريخ.
في ذات الوقت بدت شاحبة للغاية وغير فعّالة تلك الفكرة التي دعت الى توسيع منظومة مجلس التعاون الخليجي لتضم دولاً عربية أخرى من خارجها، ذلك انّ ضبط المسارات المستقرة بات صعباً فكيف لهم بإضافة مسارات جديدة؟
لا نريد المكوث طويلا عند توصيف انّ هذه القمم تعاني أمراضاً، لكنها بالتأكيد قمم تنشد التعافي واعادة النهوض.