الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أكاديميون بلا إنصات

بواسطة azzaman

أكاديميون بلا إنصات

جبار فريح شريدة

 

في عالم يفترض أنّه قائم على الحوار وإنتاج المعرفة، يتكرر مشهد يثير التأمل: أكاديميون يتحدثون كثيرًا، لكنهم ينصتون قليلًا. تتكدس الخبرات والشهادات، لكن مهارة أساسية تُهمَل… مهارة الإنصات. ولأنّ الأمثلة أبلغ من التنظير، فإن كثيرًا من القصص التي تدور خلف أبواب القاعات تكشف لنا حجم المشكلة.

قصة الطالب الذي لم يُكمِل الجملة

يحكي أحد الطلاب أنه وقف في إحدى المحاضرات يسأل سؤالًا بسيطًا حول فكرة وردت في الكتاب المقرر. لم يُكمل نصف سؤاله حتى قاطعه الأستاذ قائلاً: «لقد شرحت هذا مسبقًا، أنت فقط لم تراجع جيدًا

ساد الصمت. لم يكن الطالب يبحث عن إجابة بقدر ما كان يبحث عن إنصات. بعد انتهاء المحاضرة، وجد أن معظم زملائه كانوا يتساءلون السؤال نفسه لكنهم تراجعوا عن طرحه.

بهذا السلوك، حُرم الأستاذ من فرصة تفهّم نقطة غامضة كان يمكن أن يحسن بها أسلوب تدريسه، وحُرم الطلبة من فرصة توضيح ما التبس عليهم.

باحثة شابة وصوت لم يُسمَع

في إحدى الندوات، كانت هناك باحثة شابة تحمل فكرة مبتكرة حول تحليل البيانات في المجال الاجتماعي. عرضت الفكرة بحماس، لكن أحد الأكاديميين المخضرمين قاطعها من الجملة الأولى:

«هذه الطريقة جربناها قبل عشرين عامًا ولم تنجح

لم يطلب توضيحًا، لم يستمع إلى الاختلافات التي قد تجعل الفكرة قابلة للتطبيق اليوم. بعد الندوة، اقترب منها عدد من الحضور معبرين عن إعجابهم بالفكرة، متسائلين كيف لم يُتح لها الوقت الكافي.

هكذا تُدفن أفكار جديدة أحيانًا لا لضعفها، بل لغياب الإنصات لها.

إدارة جامعية لا تسمع إلا صداها

في إحدى الجامعات، طُلب من الأساتذة تقديم مقترحات لتحسين جودة التعليم. أرسِلَت عشرات المقترحات، لكن ما حدث لاحقًا كان إلغاء الاجتماع الذي كان من المفترض مناقشتها فيه. السبب؟ «ضيق الوقت».

شعر الأساتذة أن الإدارة لا تستمع إلا لقراراتها المسبقة. النتيجة كانت فتورًا عامًا تجاه المشاركة، وانخفاضًا ملحوظًا في الحماس للتطوير.

حين يصبح الإنصات قوة:

على النقيض من هذه القصص، يروي طالب دراسات عليا أن مشرفه – على الرغم من مكانته العلمية – كان يخصص في كل اجتماع أول عشر دقائق فقط للاستماع. لا أسئلة، لا مقاطعة، فقط إصغاء كامل.

هذا السلوك البسيط جعله يشعر بالأمان الفكري، وفتح الباب أمام أفكار جديدة، وأنقذ مشروعه من أخطاء كانت ستكلفه كثيرًا.

إنه مثال يذكّرنا بأن الإنصات ليس مجاملة، بل أداة لصناعة المعرفة.

لماذا يفقد بعض الأكاديميين القدرة على الإنصات؟

ثقة مفرطة تجعل البعض يظن أن ما يعرفه يكفي.

خوف من الاعتراف بالنقص فيتجنبون أي نقاش قد يكشف جهلاً أو فجوة معرفية.

بيئة جامعية هرمية تضع الأستاذ في موقع المتحدث والطلاب في موقع المتلقي.

غياب التدريب على مهارات التواصل رغم أهميتها.

نحو بيئة أكاديمية تُنصت

إنّ إصلاح هذا الخلل لا يتطلب معجزات، بل تغييرًا بسيطًا في السلوك:

منح الطلاب فرصة لطرح الأسئلة دون خوف.

تدريب الأكاديميين على مهارات الحوار.

تشجيع ثقافة احترام الأفكار الجديدة.

تعزيز قيم التواضع العلمي داخل المؤسسات.

فالإنصات ليس ضعفًا في الشخصية، بل قوة في الفكر. وهو الطريق الوحيد لبناء مجتمع أكاديمي حيّ، متجدد، قادر على احتضان الإبداع والاختلاف.

لذا نلاحظ اليــــــوم وبعد اكثر من اربعون سنــــــة من الحــروب والكوارث التي عاشها العراقيون انتجــــــت هذه الظروف كم من الشهادات لا تحمل الوعي الباحث عن المعرفة بقدر البحث عن ضمان المستقبل ولقمة العيش الكريم , مما ادى الى ان الانصات اصبح ضعف واستخدام التجاهل كمصدر فرض الشخصية والقوة والهيمنة ,فلا تتوقف عدم الانصات بين الطلبة واستاذهم ,بل وصل الامر بين الأساتذة انـــفسهم ,ويرجع السبب  الى النمو النفسي الاجتماعي الغير سليم

 


مشاهدات 38
الكاتب جبار فريح شريدة
أضيف 2025/11/26 - 3:02 PM
آخر تحديث 2025/11/27 - 2:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 115 الشهر 19619 الكلي 12681122
الوقت الآن
الخميس 2025/11/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير