توقيع
وادي الرافدين ووادي السليكون
فاتح عبدالسلام
قبل عقود كنّا نسمع انّ فلاناً هوايته جمع الطوابع، حين يجري السؤال عن الهوايات بين الأصدقاء أو في مقابلة إذاعية أو تلفازية مع شخصية ما، فجمع الطوابع احتمال وارد وعادي بين الهوايات المتداولة، ولعلها كانت الهواية المشتركة لجموع الطلبة في المراحل الدراسية المبكرة الابتدائية والمتوسطة، وهنا من يستمر بالهواية وينميها لتكون ذات سمة تجارية احياناً.
هذه الهوايات أصبحت من النوادر، بل انَّ الكلام عنها اليوم يبدو شيئا غريبا لدى هذا الجيل، ولعلها لا يصدقون ما كانت الأجيال السابقة تحبه وتتعلق به.
وجمع الطوابع مصدر أولي لثقافة الطفل، اذ يتعرف من خلالها اعلام الدول واسماءها وزعماءها والاعياد الرسمية فيها والاحداث المهمة التي تؤرخها الطوابع في المناسبات المهمة.
وكانت هناك هوايات كثيرة متصلة بالنمو العقلي للأطفال فضلا عن المتعة الهادفة لها.
قبل أيام عثر أطفال على نسخة نادرة من مجلة سوبر مان الصادرة في عددها الأول في العام 1939، كان ابوهم قد احتفظ بها في مقتنياته القديمة منذ كان طفلا في صندوق في مخزن المواد المتروكة في المنزل، فأصبحت تلك النسخة ثروة بيد الأولاد فقد بيعت بأكثر من تسعة ملايين دولار في المزاد. وكذلك هناك مقتنيات كثير من العوائل في بلداننا ذات ثمن كبير من دون ان نجد من يقدر قيمتها ويعطيها ما تستحق من قيمة. هناك بساط قديم في أحد المنازل عمرها مائتي عام، لو كان في دولة اوربية وعرضوه في مزاد لتحول ثروة بيد تلك العائلة البسيطة التي تتوارث العيش البسيط فوق ذلك البساط الطاعن في القدم والمنسوج باليد.
المزادات في بلداننا تقام لأغراض مختلفة عمّا تجري عليه في البلدان المتقدمة، مزاداتنا استهلاكية أيضا بلا قيمة نوعية.
بعض أزقتنا في المدن القديمة نمر من خلالها منذ أجيال ولا نوليها الاهتمام الحقيقي في حين انّ مثيلاتها في مدن إيطالية وفرنسية وألمانية وسويسرية وتركية تجذف ملايين الزوار وتدر ملايين الدولارات سنويا على تلك الأمكنة وأهلها. الاطلال والخربات والبقاع المحيطة بالمدن والبلدات لدينا لها قيم اثارية من دون ان ندري، لأننا انسحقنا من دون حماية تحت موجات حداثة غير مصممة لتطويرنا وانما لاستهلاكنا، في حين انْ دول الاختراعات العظيمة ذاتها التي تأسر عقول المليارات لا تزال تتمسك بأوراق صفراء أو منسوجات سائفة او أحجار اثارية قديمة تعثر عليها بالصدفة وتعدها عنوانا لعمق حضاري تبحث عنه بقوة لأنها تدرك ان هذا البناء مهما ارتفع فقد يهوي فجأة ما دام هناك شعور عميق بأنه مبني على جرف هاوٍ.
لا تستغربوا ان صورة ملتقطة للاطار التنسيقي امس بلا قيمة اليوم ، قد يصبح لها ثمن باهظ بعد مائة وخمسين سنة، لاسيما اذا ذيّلها المؤرخون جيلاً بعد جيل بتعليقات مختلفة ذات أسانيد صحيحة وضعيفة لا فرق، تشير الى زمن كانت فيه ثلة من عباد أرض السواد تتدارس خطة محكمة لمنافسة الدول الكبرى وتحويل النفط والغاز والكبريت وثروات وادي الرافدين الى منافس ساحق لما يمتلكه وادي السليكون.