توقيع
رسالة من تحت الماء
فاتح عبدالسلام
دعا الرئيس وزراءه الى اجتماعهم الأسبوعي العادي، لكنه أبلغهم أن يحسبوا حساباً جديداً في الملابس والتجهيزات اللازم التزود بها، وأن عليهم الحضور قبل الوقت المعتاد لكي يتعرفوا المكان الجديد لانعقاد المجلس الوزاري ويتدبّروا بعناية الجلوس في مقاعدهم الجديدة. وحين سأل الوزراء رئيسهم “محمد نشيد” رئيس جزر المالديف عن عنوان المكان الجديد لعقد جلسة مجلس الوزراء قال لهم ببساطة: “انه تحت الماء” وانه يسبقهم الى المكان مع أدوات الغوص. وقد أعد مساعدوه المكاتب والكراسي المخصصة تحت الماء.
الوزراء المالديفيون التقطوا الرسالة بسرعة البرق، فهم بالتأكيد ليسوا من أنواعنا الوزارية المحلية شبه المنقرضة من التداول السياسي في العالم إلا عندنا، وعرفوا مغزى هذا الاجتماع الذي كان في العام 2009 للفت نظر العالم الى انّ بلاد المالديف التي رأسمال وجودها هو الجزر والمياه، بدأت تخسر ،مع الأيام بل مع الساعات، شيئاً ما من ذلك الوجود بفعل التغييرات المناخية التي لا يأبه لها عمالقة الصناعة الكبار، وأول مَن يذهب ضحيتها هي الدول الصغيرة والفقيرة.
رئيس المالديف قدر ظروف بعض وزرائه الصحية التي تمنعهم من الغوص وعدم تدريب الاخرين على المهمة العاجلة التي فاجأتهم، لكنه مضى في اشهار رسالته وبث صوراً له على مكتبه الرئاسي تحت الماء مرتديا عدة الاوكسجين، فانهالت على بلاده طلبات وكالات الانباء العالمية لتغطية الحدث العالمي النادر، وكانت تلك لحظة وصول الرسالة عبر أبلغ الوسائل.
في بلدنا المسمى حتى اليوم، العراق، وهو يتناقص ويتآكل يوما بعد آخر من حيث طاقاته العلمية وكفاءاته ورصيده العلمي والطبي وامكاناته العسكرية النظامية لصالح قوى عسكرية محلية وتتجه للنضوب احتياطاته من الورق الأخضر والذهب وبراميل النفط وفوق هذا وذاك تردي السمعة العالمية في المؤشرات المعتمدة والموثقة دولياً في رصد ملفات الفساد وجواز السفر وحقوق الانسان. من حقنا أن نواجه هذا السؤال، ياترى أين يمكن أن تعقد الحكومة العراقية المقبلة أول اجتماعاتها لكي تلفت النظر العالمي الى “المصيبة” التي اندثر في أتونها جيل ويشارف جيل جديد أن يقضي بقية حياته على ثقافة التدهور القيمي والتجهيل ورصف الشهادات الفارغة من أي اعتراف علمي دولي بها؟ أم انّ هناك اسلوباً آخر، هو الأسلوب العكسي، الذي سيتم اللجوء اليه وهو الاستتار بدل الاشهار لكي يغطوا ما لم تنكشف عوراته ومصائبه ومسارات اعوجاجه السياسية والاقليمية والدولية بعد؟