الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
رحلة جديدة إلى إيران.. خرم آباد وجمال منسي في قلب الجبال وروح التراث

بواسطة azzaman

رحلة جديدة إلى إيران.. خرم آباد وجمال منسي في قلب الجبال وروح التراث

 

إيران - حمدي العطار

الرحلات التي تنظمها الكروبات السياحية الى إيران هي رحلات تجارية، إذ غالباً ما تكرر برامجها نفس الوجهات التقليدية دون أن تتيح للمسافر فرصة اكتشاف أماكن جديدة. فهدفها الأول هو الربح المالي، لا راحة الزائر ولا إثراء لتجربته الثقافية. لذلك قررنا خوض تجربة مختلفة، خارج النمط المألوف، بالتعاون مع المرشد السياحي في كرمنشاه محمد أسد الله الكردي، المعروف بذوقه الرفيع ومعرفته الدقيقة بتاريخ المنطقة، لنكتشف معاً مدينة خرم آباد التي تزخر بتاريخ عريق وجمال طبيعي أخّاذ.

اول ما تواجهك عندما تدخل للمدينة جبل غريب يطلق عليه» مخمل كوه» .يبدو كأنه مغطى بالقماش ويتغيّر لونه مع فصول السنة واجملها في فصل الربيع!

قلعة فلك الأفلاك

في قلب خرم آباد، تنتصب قلعة فلك الأفلاك شامخة على تلة صخرية مطلة على المدينة، وكأنها تحرسها منذ قرون. تعرف القلعة أيضاً باسم حصن شابورخاست أو قلعة الأبراج الاثني عشر، وقد شيدت في العصر الساساني على مساحة تقارب 5300 متر مربع من الحجر والطين والجص والجير، لتكون حصناً منيعاً لحكام البلاد ومقراً إدارياً لهم.

تضم القلعة أربع قاعات فسيحة وساحتين خاصتين وعدداً من الغرف والأبراج الدفاعية، بقي منها ثمانية أبراج فقط من أصل اثني عشر. كما تحتوي على حمام تقليدي وبرج حراسة وبئـر ماء داخلي، مما جعلها ملاذاً آمناً في أوقات الحروب.

وتحمل القلعة ذاكرة مثقلة بالأحداث، إذ كانت في مراحل تاريخية متعددة مقراً للحكم، وفي أحيان أخرى سجناً رهيباً، وشهدت تحولات كبرى عبر العصور. وقد اكتسبت أهمية سياسية كبرى في عهد الدولة الحسنوية والدولة البويهية خلال القرن الرابع الهجري، حيث كانت قاعدةً استراتيجية لإدارة مناطق زاغروس وكرمنشاه ولرستان.

الجسر الساساني المكسور

غير بعيد عن القلعة، يقع الجسر الساساني المكسور أو كما يعرف محلياً باسم طاق پيل أشكه‌سه، وهو أحد أروع الشواهد المعمارية المتبقية من العصر الساساني.

كان هذا الجسر في الماضي يمتد بطول 230 متراً ويضم نحو 28 قوساً حجرية، لكن ما تبقى منه اليوم لا يتعدى خمسة أقواس صامدة تتحدى الزمن. ويعد من أكبر الجسور الحجرية في إيران، إذ كان يربط بين ضفتي خرم آباد ليؤمن مرور القوافل والتجارة عبر الطرق القديمة.

ورغم تسجيله في قائمة الآثار الوطنية الإيرانية برقم (1058) عام 1354 هـ.ش، إلا أن الإهمال السياحي قلل من العناية به، على الرغم من مكانته التاريخية والمعمارية الفريدة. لا يمكن الحديث عن خرم آباد دون التوقف عند أهلها اللوريين، الذين يشكلون الغالبية العظمى من سكان المدينة ومحافظة لرستان.اللوريون قوم عرفوا بالشجاعة والكرم والوفاء، ولهم تاريخ ضارب في جذور الجبال الممتدة بين زاغروس والحدود العراقية. يتحدثون لغة لورية قريبة من الفارسية والكردية، ولهم تراث غني بالأغاني الجبلية والرقصات الشعبية التي تعبر عن الفرح والحزن والحياة اليومية. يتميز اللوري بلباسه التقليدي الجميل: الشال والسترة القصيرة والسروال الواسع، وهو لباس يجسد روح الفروســـــــــــية والاعتزاز بالأرض.وتحافظ العائلات اللورية في خرم آباد على روابطها الاجتماعية القوية، حيث لا تزال العادات القبلية والضيافة الأصيلة تشكل جزءاً من الحياة اليومية، في مشهدٍ يجمع بين  الطبيعة و ألاصالة والتجدد.

خرم آباد ليست فقط مدينة آثار، بل لوحة خضراء تحتضنها جبال زاغروس المهيبة وتغمرها الينابيع والشلالات الدائمة. أشهرها شلال نوغان الذي يتدفق من قلب الجبل في مشهد ساحر.

وحديقة شجاع الدين التي تفيض خضرة وهدوءاً، حيث يجتمع الأهالي في الأمسيات الصيفية للعزف والغناء وتبادل الأحاديث.

أما الأسواق الشعبية فهي القلب النابض للمدينة، تعجّ بألوان الزعفران والتمور والعسل الجبلي، وتفوح منها رائحة الخبز التنوري الطازج. هناك يمكن للزائر أن يلمس دفء الناس ويستمع إلى موسيقى اللهجة اللورية الجميلة بين نداءات الباعة وصوت الحرفيين الذين يصنعون السجاد والمطرزات يدوياً.

ومن المظاهر الروحية المميزة في خرم آباد الحمامات الصوفية القديمة، التي كانت ولا تزال ملتقى للمتعبدين والمتأملين. في هذه الحمامات، تمتزج طقوس التطهير الجسدي بالسكينة الروحية، حيث كان الصوفيون يقيمون جلساتهم الذكرية بين أروقة البخار والماء الجاري، بحثاً عن صفاء النفس وسمو الروح. بعض هذه الحمامات ما زال قائماً ويستقبل الزوار الذين يبحثون عن تجربة روحية مغايرة وسط عبق التاريخ.

 خرم آباد... جمال منسي وسط الجبال

رحلتنا إلى خرم آباد لم تكن  زيارة سياحية، بل كانت عودة إلى تاريخٍ صامتٍ ما زال يروي حكايات الملوك والجنود والحصون، وإلى أرض يقطنها شعب نبيل حفظ التراث وحمى الجمال من النسيان.

هذه المدينة، المحاطة بجبال زاغروس، تستحق أن تكون ضمن برامج السياحة الثقافية لا أن تهمّش في زوايا الإهمال.

إنها دعوة لعشاق التراث والطبيعة إلى أن يكتشفوا الوجه الآخر لإيران، حيث يلتقي التاريخ بالعراقة، والحجر بالذاكرة، والإنسان بالدهشة الأولى.


مشاهدات 40
أضيف 2025/11/19 - 5:32 PM
آخر تحديث 2025/11/20 - 1:44 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 55 الشهر 14168 الكلي 12575671
الوقت الآن
الخميس 2025/11/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير