جيل زد من رفض الحرب في أوربا إلى خطر التراخي بالشرق الأوسط
علاء العاني
في السنوات الأخيرة، أخذ مصطلح جيل (زد) الجيل المولود تقريبا بين 1995و2010 مكانه في النقاشات والحراك السياسي في الغرب. وهو الجيل الذي نشأ في ظل الإنترنت والتواصل الاجتماعي ، والعولمة، وثقافة الراحة الفردية، والحرص المفرط على الذات، في مقابل تراجع الإحساس بالانتماء القومي أو الاستعداد للتضحية من أجل الوطن..
تشير تصريحات مسؤولين ألمانيين، وفي مقدمتهم المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن الحاجة الملحة لتعزيز صفوف الجيش الألماني بتجنيد 80 الف جندي إضافي ،بهدف تلبية متطلبات حلف شمال الأطلسي (الناتو) والوصول الى عتبة 260 الف جندي المطلوبة ،هنا اصبح الحديث عن مستقبل الدور العسكري للشباب الالمان وخاصة جيل (زد) اكثر حضوراً ، مما جعل صحيفة (دي تسايت ) الألمانية المتخصصة في شؤون الأجيال ان تنشر نتائج بحوث اجراها الباحث المتخصص روديغر ماس الى ان 69 بالمئة من جيل (زد) الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاما غير مستعدين لحمل السلاح للدفاع عن وطنهم (المانيا) وترتفع هذه النسبة الى 81 بالمئة عندما يتعلق الامر بالاستعداد للموت من اجل المانيا ،هذه النسبة في دولة صناعية عظمى ذات تاريخ عسكري طويل كشفت عن تحوّل ثقافي عميق في بنية الوعي الجمعي الغربي. وقد تبدو هذه الحركة في ظاهرها ردة فعل عفوية من جيل أنهكته الحروب الإعلامية، وشاهد عبر الإنترنت دمار أوكرانيا وغزة والعراق وسوريا الا ان مراقبين يرون أن وراء هذا الميل الرافض للحروب حملات فكرية يسارية منظمة تغذيها تيارات مناهضة للعسكرة، وأخرى ليبرالية متطرفة تمجّد الفرد على حساب الجماعة والوطن. هكذا أصبح الدفاع عن النفس والوطن في الوعي الغربي الجديد عدوانا, والوطن ,مجرد مكان, والموت من اجله ,غباء غير ضروري,..»
قد يظن البعض أن هذا الانكفاء الفكري يخص الغرب وحده، لكنه قد يتسلل تدريجيًا إلى مجتمعاتنا العربية، خصوصًا في ظل الإحباط العام، وانعدام الثقة بالحكومات، واستمرار التدخلات الأجنبية في شؤون المنطقة.
في دول مثل العراق ولبنان واليمن وليبيا وسوريا، لعبت القوى الخارجية وعلى رأسها إيران دورًا محوريًا في تغذية الانقسامات الطائفية وخلق واقع سياسي مضطرب ومع تصاعد موجات الاغتراب واللامبالاة بين الشباب، تبرز خطورة أن ينشأ جيل عربي جديد فاقد للانتماء الوطني، لا يرى في الدفاع عن وطنه قيمة، بل يعتبرها صراعًا لا يعنيه..
مثال مغاير
ولكن في المقابل، قدّم العراق مثالًا مغايرًا تمامًا لما يجري في الغرب. ففي تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، انطلقت في بغداد ومدن الجنوب انتفاضة شبابية عفوية وسلمية شارك فيها الملايين من دون قيادة حزبية أو سلاح. كان الشباب العراقيون يرون في أنفسهم جميعًا قادة لوطن جديد خالٍ من الفساد والتبعية. رفعوا علم العراق فقط، وهتفوا للحرية والكرامة، ولكنهم واجهوا رصاصًا غادرًا أودى بحياة أكثر من 800 شاب مسالم وجرح آلافًا آخرين، دون أن يُعلن رسميًا عن الجهة المسؤولة عن تلك المجازر، خشية من إيران ومن أذرعها داخل العراق. ورغم القمع، بقيت تلك الانتفاضة علامة مضيئة في الذاكرة العراقية، تذكّر بأن جيل العراق لم يمت، بل ما زال حيًا ويبحث عن وطن يستحق الحياة من أجله..
أن أخطر ما يواجه الأوطان حين يفقد الشباب الإيمان بجدوى الدفاع عن وطنهم، عندها تتفكك المجتمعات من الداخل دون طلقة واحدة، وحين تتحول فكرة السلام الى تبرير للعجز او الخضوع، تصبح الاحتلالات ناعمة، بلا جيوش ولا دبابات، بل عبر السيطرة على العقول. هنا تكمن خطورة انتشار فكر جيل (زد) بمعناه الغربي بين شباب الامة العربية في ان يتحول من رفض الحرب إلى رفض الوعي الوطني والمسؤولية الجماعية.
ظاهرة جيل (زد) ليست مجرد حركة شبابية عابرة، بل مؤشر على تحولات كبرى في الوعي الإنساني، وفي عالمنا العربي حيث تتداخل السياسة بالهوية، والدين بالوطن، علينا ان نكون اكثر وعيا بخطورة انتقال الحراك السلبي الفاقد لبوصلته الوطنية ومسؤوليته في التغير الإيجابي الينا.
الايمان بالكرامة
فالدفاع عن الأوطان لا يعني العسكرة فقط، بل الايمان بالكرامة والسيادة والحق في الحياة الحرة الكريمة.
وان كان جيل (زد) في الغرب يرفض الموت من اجل وطنه، فان شعوب امتنا العربية تؤمن وتحتاج قبل كل شيء الى جيل جديد يعيش من اجل وطنه وامته بوعي وشجاعة ومسؤولية .