إذا عرف السبب بطل العجب
ضرغام الدباغ
هناك مثل باللغة الالمانية مشابه أو مقارب، وبنفس المعنى : الأمر الذي أعلمه لا يغضبني / أو يثيرني (was ich weiß ist dass ich nichts weiß) وهذه المعرفة هناك تلعب دور المسكن للأعصاب.
قبل قليل شاهدت مقطعاً من مقابلة تلفازية للواء أشرف ريفي مدير الامن العام في لبنان، يتحدث فيها أنه خلال دورة أمنية (مطلع الثمانينات) انظم إليها في باريس / فرنسا، أنعقدت اواصر صداقة بينه وبين ضابط مخابرات فرنسي، وخلال العودة من المعهد الاستخباري في ضواحي باريس وصلا منطقة قال الضابط الفرنسي " هذه هي ضاحية نوفل لو شاتو، الضاحية التي اقام فيها الخميني. فقال له الضابط اللبناني، أنا أستغرب كيف لدولة ديمقراطية ليبرالية، تأوي وتسهل معيشة ونشاط رجل كهذا ينتمي للعصور ما قبل الوسطى،
فضحك الضابط الفرنس ومسك يدي وقال لي " نحن كنا من يقوم بتسجيل الخطب والمحاضرات ونقوم بتوزيعها في أوربا" وحين ألح السيد ريفي بالسؤال " ولكن لماذا .. هذا أمر غير مفهوم بالنسبة لي "
ضحك الضابط الفرنسي وأمسك بيدي وقال هامسا " ستفهم وستعرف بعد بضعة سنين ".
وأذكر أن صديقاً ألمانيا قال لي شخصياً شيئاً مقارباً، حين ذكر أن الغرب يسهل ويساعد ويزيح العقبات أمام الملالي في إيران في حين أنهم يمثلون النقيض الواضح الحاد لعقائدهم الديمقراطية الليبرالية، ولكن الغرب لا يصرف دولاراً واحداً بدون معنى ومصلحة أكيدة، فما يفعلونه اليوم سيعود بالنفع عليهم بعد حين .
وأذكر أيضاً أني قرأت في مقابلة للملك الاردني الراحل الحسين بن طلال، وهو بكل ما أوتي من عقل راجح وحكمة ودهاء سياسي، يقول أنه حاول بكل جهده أن يقنع الغربيين والامريكان في مقدمتهم، أن يوقفوا دعمهم للملالي، وأنهم يضحون بعلاقاتهم مع الدول العربية، يقول الملك الراحل، حاولت كثيراً فلم أفلح فالقناعة عندهم راسخة. بالطبع أنهم (الغربيين) غير مكلفين للأفصاح بصراحة عن غايتهم البعيدة، والتي هي : " الإبقاء على إيران كدولة بين ممتلكاتهم، وخلق قوة (تعادل أو تتفوق على إسرائيل) في المنطقة رهن إشارتهم، وهذا ما يفعله الملالي بإخلاص.
كقاعدة صحيحة، أنك تحصد ما زرعت بالطبع، والزراعة بالاعتماد على المطر (الديم) ليست مضمونة، في حين الاعتماد على السقي له محصول مؤكد، وزراعة الاشجار المثمرة المعمرة خير من زراعة اشجار الزينة أو تلك الغير مثمرة.
العرب مشهورون بحدة ذكائهم، وحسن تصرفهم. مر ملك ذات يوم على فلاح شيخ مسن، منهمك في زراعة نخلة، ضخك الملك وقال للفلاح، أنت تتعب نفسك بزراعة نخلة لن تعطيك أثمارها من التمر إلا بعد سنين طويلة، فهل ضمنت أنك ستعيش لذلك اليوم.
فأجابة الفلاح إجابة تدل على حصافة : يا مولاي الملك، زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون“
في المعارك الاستراتيجية، التي لا تحسم بموقعة أو أثنين، وإذا كانت قدراتك ذاتية، فطب نفساً، فأنت منتصر على المدى البعيد، ضع خطط وبرامج عملك، وتقدم بدون ارتباك، لا أستهجال ولا تباطؤ .. “ حسب الخطة “ فأحياناً تحسب قوة وعظمة الامم بقدرتها على أستيعاب الهزائم .. بلا صراخ ولا عويل .. بهدوء تحمل ضحايانا إلى مثواهم الأخير ونحسبهم شهداء عند ربهم يرزقون .. ونواصل الصمود، حتى النصر الأكيد ..