كراس سردي لحملات الإعمار والتأهيل التي أخضعت أقدم كنائس الموصل
عفّاص يوثّق بالصورة والكلمة حملات اعمار حواضر كنيسة مار توما
سامر الياس سعيد
بعد نحو اربعة اعوام من صدور الكراس الذي وثق كنيسة مار توما للسريان الكاثوليك بدءا من تاريخ تاسيسها وحتى تعرضها لفترة الظلاميين باحتلال داعش لمدينة الموصل مرورا بابرز ما مرت به تلك الكنيسة يعود كاهن الكنيسة للافاضة بكراس جديد يسهم من خلاله بتسليط الاضواء نحو حملات الاعمار والتاهيل الذي تعرضت له الكنيسة في بحر الاعوام الاربعة الماضية .
دليل كنيسة
صدر الكتاب الجديد الذي حمل عنوان ( ملحق دليل كنيسة مار توما في ماضيها وحاضرها ) ضمن سلسلة روافد بالتسلسل 13 والذي تصدرها دار بيبليا للترجمة والنشر في شهر تشرين الاول الماضي واحتوى الكراس على اكثر من 100 صفحة طاف من خلالها كاتب الكراس الاب بيوس عفاص في جولة رافق فيها القاري لحملات الاعمار والتاهيل الذي تعرضت له الكنيسة وحواضرها الملاصقة لها فقد ابتدا الكراس بالاشارة الى الدليل الذي كان قد صدر عام 2021 حاويا الكثير من التفاصيل والمعلومات التي رافقت انشاء الكنيسة الى جانب الانشطة والفعاليات التي انبثقت عنها ولعل ابرزها انها كانت منطلقا لمجلة الفكر المسيحي بدءا من كونها نشرة بسيطة صدرت بمنتصف الستينات ومن ثم تحولت الى مجلة ذات شعبية واسعة حتى انتقال امر اصدارها الى عصمة الاباء الدومنيكان في منتصف تسعينيات اللقرن الماضي ولازالت تصدر عنهم ليومنا هذا .
وبعد الاهداء وكلمة الناشر التي احتوتها نسخة الملحق حيث يصفه الناشر بكون الكراس يمثل البوما للاعمار اضافة لكونه يشكل جزءا ثانيا من الكراس الذي نوهنا عنه سابقا وتلي كلمة الناشر كلمة راعي ابرشية الموصل للسريان الكاثوليك مار بندكتوس يونان حنو الذي يقول فيها ان هذا الكتاب يروي قصة الاعمار من لحظة الانكسار الى لحظة القيامة المعمارية فيستعرض في الكتاب مراحل الترميم بدءا من دراسة الاساسات الى اعادة بناء القبة الى ترميم المذبح الى اعادة رسم الايقونات وفقا للتقاليد السريانية التي كانت سائدة في زمن التاسيس ويسلط الضوء وفق المطران حنو على التحديات التي واجهها الفريق الهندسي وعلى القرارات التي اتخذها الاب الفاضل بيوس عفاص للحفاظ على الطابع الروحي وعلى الجهود التي بذلها الحرفيون لاعادة الحياة الى كل زاوية وكل حجر وكل شمعة .
وفي مقدمة الكتاب يرافق الكاتب قرائه في جولة في الموصل الحدباء ليستعرض من خلالها اهم الحواضر التاريخية التي تمتلكها المدينة لاسيما مع بداياتها التي انبثقت بالعصر الاشوري ويفصح من خلاله عن تواريخ الكنائس الحديثة نسبيا التي بنيت في المدينة ليشير الى تفاخر الموصل بكونها كانت مهد المسيحية في العراق اذ ترقى اصولها الى القرون الاولى كما يضيف بان تلك التاريخية لم تكن تحمل الاخبار السارة فحسب بل مرت المسيحية في العراق عبر تاريخها الطويل بالاضطهادات والمحن القاسية ولعل اقسى محنة مرت بها تلخصت بالتهجير القسري الاخير لمسيحيي الموصل في صيف عام 2014 على يد ما يسمى بالدولة الاسلامية في العرق والشام لكن مع ذلك يعبر الكاتب عن امنياته باستتاب الوضع تماما ليعود المسيحيين الى منازلهم وكنائسهم معززين مكرمين وياتي اول فصول الكراس تحت عنوان شيء من عمق الذاكرة ويرتكز على عشرات الصحف الملونة المعززة بالصور والتي تشي بانطباعات الكاتب وهو يزور للمرة الاولى كنيسته بعد انجلاء غيمة داعش لتنطلق الاسئلة في باله عمن سيسهم باعمار الكنيسة ويعيد البهاء الذي كانت عليه قبل احتلال داعش لها ومع اول قداس شكر يسترسل الكاتب بابراز اجوائه وخلفياته حيث كان يوم 3 تموز من عام 2018 اضافة للاطلالة الى بدايات الترميم التي انطلقت من بعد ذلك التاريخ اضافة للاعلان عن تواريخ لاتنسى من تلك الحملة لينتقل منها نحو فصل جديد ارتكز على الحديث عن المرحلة الاولى من الاعمار والذي تكلل بافتتاح اول جرى يوم 26 كانون الاول عام 2020 اضافة لمناسبات اخرى جرت في الكنيسة قبل ان تتعرض للاغلاق بسبب انتشار جائحة كورونا والتوقف الاضطراري لاعمال الترميم والتاهيل الذي كانت تخضع له الكنيسة قبل ان يتم استئنافها لاحقا ومن ذلك الفصل تم الانتقال للاسترسال بمعلومات مفصلة ابرزت المرحلة الثانية من الاعمار والذي انطلق بالتزامن مع عيد شفيع الكنيسة في تموز 2021 والذي حمل جهودا تعززت بانطلاق المرحلة الثانية التي كانت باكورتها اسناد الخيمة المرمرية التي تحتضن المذبح الوسطي اضافة لعمليات جلي المرمر وحفر الارضية والصب الكونكريتي كما شملت المرحلة المذكورة حدثا مفصليا تناولته وسائل الاعلام العالمية لاسيما من خلال قرع اول ناقوس لكنيسة في الجانب الايمن من مدينة الموصل والذي استقدم من لبنان حيث تم صناعته من قبل اسرة نفاع في بيت شباب بوزن 285كغم وتم شراؤه بمبلغ 12000دولار حيث غطت تكاليف شرائه منظمة اخوة العراق ليجري رفعه وتثبيته بمكانه وذلك في 18 ايلول من عام 2022كما استعرض الاب الكاتب بعدها مراحل عملية اكساء الكنيسة التي وصفها بكونها حلم كبير استيقظ ومنها انتقل ليسر مراحل الاعمار بجزئيتها الثالثة والاخيرة حيث اشار في مقدمة هذا الفصل بكون عيد مار توما في تموز من العام 2022 مثل محطة ومنعطف لتدشين ما انجز من اعمار على مدى سنة كاملة ومنها اكساء الجدار الخلفي والطابق العلوي اضافة لاعمال استصلاح في مبنى المدرسة التوماوية اضافة لاعمال الجلي التي شهدتها اروقة الكنيسة حيث كان يوم الافتتاح الرسمي في 28 نيسان من عام 2023 بمثابة التاريخ الرسمي لافتتاح الكنيسة بعد تعرضها لمرحلة التاهيل والترميم وبعد الانتهاء من تاهيل الكنيسة الفت الكاتب الى مراحل اخرى من الاعمار شهدتها حواضر الكنيسة وابرزها مصلى العذراء الذي افرد له فصل لوحده في سياق الكتاب ومنها انتقل لفصل اخر اضاء من خلاله على مبنى ام الربيعين وهي المدرسة القديمة التي لطالما شكلت مركزا معرفيا استقطب ابناء وبنات المدينة في احدى محطاتها التاريخية حيث اختتم هذا الفصل بالافصاح عن امنية بان يكون هذا المبنى متاحا لضم متحف مميز يخصص لمشروع توثيق الحرف والمهن التي زاولها الموصليون ايام زمان والمسيحيون منهم بنوع خاص والحديث للكاتب بكون هذا المشروع اذا ماتم سيعكس جوانب عديدة من الحياة اليومية في مدينة سكنها اولا الاشوريون وتركوا فيها اثار حضارتهم المميزة وسكنها يهود كانوا قد جلوا اليها في اعقاب سقوط السامرة عام 721 ق م تلاهم مسيحيون ينتمون الى كنيسة المشرق يمتد حضورهم الى القرون الاولى للمسيحية وقد كانت لهم بحسب الاب بيوس عفاص مساهمات هامة في حياة المجتمع الموصلي على مدى التاريخ وان طالهم في العصر الحديث ابشع تهجير قسري من مدينتهم .
اقدم الكنائس
عموما فالكراس يمثل توثيقا مهما لمرحلة اعمار احدى اقدم كنائس الموصل وفيما يسلط الضوء بالتفاصيل الموسعة للاعمال التي تعرضت له الكنيسة يبقى التساؤل قائما عن جدوى اعمار الكنائس في ظل عزوف المسيحيين الموصليين عن العودة لمدينتهم وبقائهم اسرى عدم الثقة التي تعرضت لشرخ كبير في صيف عام 2014 ولم تنفع معها اي علاجات مستدامة من جانب الحكومة في ابراز مشاريعها نحو تلك الفئة التي تعرضت للتهجير القسري وارغامها على ترك منازلها فيما تشتت الجزء الاعظم من المكون المذكور في بقاع العالم ليحمل فقط من زوادته الى تلك الدول التي استقر بها جنينا لاينقطع الى تلك الحواضر التي عمرت فيما بقيت فارغة تنتظر من يزورها لمجرد الزيارة ومد جسر التواصل نحو ماض مزدهر ومستقبل مشبوب بغياب الثقة وضباب يساور المستقبل فيما يتعلق بمسيحيي الموصل .