جودي واللجنة البرلمانية.. اليحبك يگلك

احسان باشي العتابي

في عراق اليوم ،صار المنطق تهمة، والعقل استثناء! هكذا تعمل «الديمقراطية» حين تخلع قناعها لتكشف عن وجهها الكوميدي الاسود.فمن يحاول ان يعيش وفق منطق بسيط في هذا البلد، كمن يحاول التنفس في غرفة بلا هواء… سرعان ما يتهم بالغرور، او تحاك له المؤامرات، ليصفى جسدا او يغتال معنى.

في لقاء متلفز، ارتكب نقيب الفنانين العراقيين جبار جودي ما يشبه»الخطيئة الفكرية»، حين قال:» ان لجنة الثقافة والسياحة والاثار والاعلام في مجلس النواب ليس فيها مثقفا واحدا «.تصوروا يا سادة ، ان يقال عن لجنة الثقافة انها بلا مثقفين!

فما كان من اللجنة الموقرة الا ان ثارت كما تثور الكرامة المجروحة، واصدرت بيانا رسميا تطالب فيه بسحب يده من النقابة…كأن الجريمة الكبرى التي ارتكبها جودي لم تكن قول الحقيقة، بل انه تجرأ على نطقها بصوت عال.وهذا بحد ذاته خطر عظيم، اخذ يفرض نفسه واقعا، ويحميه القانون - قانون الديمقراطية -! لكن الطريف في المأساة ، ان جودي لم يعتذر، بل رد ببيان اخر اشد وقعا من تصريحه الاول، ربما بسبب طابع السخرية كما لمسناه ،حيث قال فيه — ما معناه — انه حين قرأ بيان اللجنة وجد فيه ستة وعشرين خطا لغويا واملائيا! ، ثم دعا السادة النواب -المعنيين - الى حضور دورات املاء مجانية في مقر النقابة، تليها جلسات قراءة مقترحة، علهم يصبحون مثقفين بحق، لا بالصفة البرلمانية.

يا للسخرية! بلد تدار فيه الثقافة من قبل من لا يفرق بين همزة وحرف، وتهدد فيه الكلمة لا لانها خاطئة، بل لانها صحيحة صريحة  اكثر مما ينبغي! بنظر من يحكم بهذا المبدا اليوم.

بلد يعاقب فيه صاحب المنطق، لانه يجرّب ان يكون عاقلا، وسط ضجيج الجنون العام الذي يتسيد المشهد!

حقا… في العراق، من يحبك “يگلك” الحقيقة؛ لكنها في هذا الزمن، قد اصبحت جريمة نطق لا تغتفر!