النقد اللاذع شمعة لا تضيء فقط بل تحرق
محمد الربيعي
في عراقٍ باتت فيه المناصب تمنح بالولاء لا بالكفاءة، والمؤسسات العلمية تدار بمنطق «الحاكم المطلق»، يصبح النقد اللاذع ضرورة وطنية، لا ترفا فكريا. لم يعد هناك وقت للمجاملات ولا مكان لاتماسات المواطنين التي ترمى في سلال المهملات الادارية. المسؤول الفاسد لا يقرا، وان قرا لا يفهم، وان فهم لا يستجيب. فهل ننتظر منه اصلاحا؟ ام ننتظر من النقد ان يهز عرشه؟
حين يصبح الصمت خيانة
في بيئة اكاديمية يهيمن عليها الجهل المؤسساتي، حيث تعين القيادات الجامعية وفق المحاصصة لا وفق الكفاءة، يصبح السكوت مشاركة في الجريمة. النقد هنا ليس خيارا، بل واجبا. لا يطلب من المثقف ان يكتب خواطر، بل ان يكتب وثائق ادانة. لا ينتظر من المؤثر ان يلهم، بل ان يحاكم بالكلمة.
لا اصلاح بلا صرامة
الضغط الشعبي لا يبنى على فيديوهات عاطفية تبكي على الاطلال، بل على حملات واعية، صارمة، تفضح السياسي الفاسد، وتطالب بالمحاسبة. المسؤول الذي جاء على ظهر صفقة حزبية لا يخجل من دموع الناس، لكنه يرتجف من فضيحة موثقة، من مقال يفضح جهله، من دراسة تكشف تلاعبه. هنا ياتي دور النقد اللاذع: لا ليشتم، بل ليكشف. لا ليهين، بل ليهز.
في زمن الرداءة
• حين يعين عميد كلية لا يحمل سوى شهادة مزورة، ويمنح صلاحيات اكاديمية، فهل نكتب للمسؤول التماسا؟ ام نكتب مطالبة بطرده؟
• حين تمنح درجات الماجستير والدكتوراه في جامعات بلا اشراف علمي حقيقي، هل ننتظر اصلاحا من الوزارة؟ ام نفضح التواطؤ؟
• حين يقصى الاكاديمي النزيه او يعاقب او يفصل، هل نطالب بالعدالة؟ ام نشعل شمعة تحرق هذا الظلام؟
• حين يشجع المسؤول النشر الزائف ويشارك في دعم مصانع الاوراق. هل نشاركه التزييف ام نفضحه؟
• حين يقوم المسؤول باجراءات تهدم دعائم التعليم النزيه او تضلل الاكاديميين او بالضد من مصالحهم. هل ندعمه؟ ام نقف ضده؟
شمعة النقد.. لا تلعن الظلام، بل تحرقه
الناقد الحقيقي لا يكتفي بالتحسر، بل يشعل شمعة من نار، لا من نور فقط. شمعة تحرق الفاسدين، لا تضيء لهم الطريق. شمعة ترشد الجماهير، لا تخدرهم. شمعة تبنى على المعرفة، لا على الانفعال. فالمعركة ليست بين الخير والشر فقط، بل بين الوعي والبلادة، بين المثقف الحقيقي والمثقف المزيف، بين من يكتب ليغير، ومن يكتب ليرضي.