مفقود
هدى جاسم
عندما بادرها بطلب الارتباط كاد قلبها ان يفر من مكانه لشدة فرحها بما يمكن ان يقدم لها من اسباب السعادة والدعم لما هو قادم في حياتها ، سالها ان كانت تروم العيش في بلادها او في مكان اخر من الارض ، كانت اجابتها ان الوطن هو خيمة متجددة لتلك السعادة التي تنتظرها ، سالها ان كانت تريد ثوبا ابيض مطرز باللالئ ، قالت اللائئ هي ايام محسومة بالقرب منه ، سالها ان كانت تريد بيتا من بلور ، قالت بيت الطين ورائحته الزكية ستذكرها دوما عند غيابه انها اختارت الرجل الصحيح المعجون برائحة الارض .
مرت السنوات مسرعة والقدر كان يحاول ان يسرع بها نحو حدث قد يحيل احلامها الى ذكرى ، كل يوم كانت ترسم امنياتها على واجهة الابواب وتنتظر تحقيقها ، وكلما سمعت طرقا على بابها قالت هو جاء ليقول كلمة الفصل وينقلها الى حيث ( بيت من طين في بلادها المزهوة بالحب وثوب ابيض يتلئلئ بالامنيات ) ، كانت تحط كل يوم امنية فوق امنياتها المتكدسة منذ سنوات حتى صارت جبلا ، ولم تبق ثوبا ابيض الا واشترته عن عمد علها ترتديه في مناسبة منتظرة في بيت احلامها ، امنياتها صارت جبال ووجع انتظارها صار حجر لا يتزحزح ، احيانا كانت تلبس ثياب الحداد واحيانا اخرى تضع مساحيق التجميل على وجهها الذي تجعد بفعل الزمن والدموع ، وفي كل مرة تصبح مساحيقها منتهية الصلاحية وثيابها بلا لون .
اصرت على البحث عنه ،ترى اين اصبحت دياره وهل ارتبط بامرأة اخرى وصار له بيت ووطن واطفال يحملون اسمه ؟، دارت في الشوارع وبين البيوت ، توصلت الى اول الخيوط بعض من التقتهم من اصدقائه لم يجيبوا على اسئلتها واكتفوا بان نظروا اليها طويلا ورحلوا بعيدا وبعضهم حاول ان يقول شيئا وخشي ان يكون وقع كلامه صادما لها فامتنع عن الكلام ، لكنها صرخت طويلا عندما قال لها احدهم انها مفقود في حرب لم يكن له فيها ذنب سوى انه كان من المارة الذين صادفتهم قوات غير نظامية اطاحت ببعضهم وسلبت حرية البعض الاخر ، بقيت في مكانها لا تسطيع ان تنطق بكلمة واحدة وهي التي كانت تظن انه في عالم اخر لا يعلم بوجع انتظارها لها وكيف ان امنياتها علقت على شجرة النسيان وشاخت معها دون ان تعرف اين اصبحت دياره .
تراجعت خطوات وسقطت مغشيا عليها ،حاولت ان تستفيق مرة اخرى لكن الارض ابت ان تمنحها فرصة النهوض، اصيبت بمرض لا تعرف علاجه ولم تعرف ، تقول انها ستنتظره وان فقدته اسيرا بعنوان لا تعرفه وعندما يعود ستقص عليه حكاية الانتظار والثياب البيض المطررزة بالالئ ، ستقول له انها فقدت وجودها فور سماعها فقدانه بين جيوش الظلام ، هي مدركة انها ستنهض من جديد وستبني بيتا من طين رائحته تشبه رائحة الوطن وتعيد الضحكة اليه قبل ان يرحل بلا عنوان .