الطائفية في التطور اللغوي
لطيف القصّاب
مُعْجَمِيًا ليس في لفظ الـ ( طائفة) أكثر من معنى الجزء المقتطع من كُل. قال الرازي: ((الطائفة من الشيء قطعةٌ منه)).
وعلى هذا الأساس جرى استعمال هذا اللفظ (في البدء) استعمالا محايدا، وعُبِّر به عن جماعة من الناس سواء أكانوا جماعة مهنية أو جماعة دينية، فقالوا: طائفة الخبازين، وطائفة الخياطين، وطائفة النجارين مثلما قالوا: طائفة النصارى، وطائفة الأرثوذكس، وطائفة الأرمن...الخ.لكن معنى كلمة الطائفة -لاسيما في بلدنا العراق- تخلّى منذ أمدٍ بعيد نسبيًا عن صفة الحياد، وذلك حين أريد به الحديث عن جماعة مذهبية معينة حديثا سلبيا، وبحسب كتاب (مئة عام مع الوردي) فإن الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف هو أوّل من فتح النقاش في هذا الموضوع، ومن باب المناكدة صار يُشار إليه هو شخصيًا بلقب ( الطائفي).
وعلى إثر الحرب الأهلية التي اجتاحت مدن العراق الرئيسية، وبلغت ذروتها بين العامين 2006، و2007 تعمّق مفهوم الطائفية، واتخذ بُعدًا مجاوزا للمذهبية الإسلامية بملاحظة أن الاعتداءات التي طالت الأبرياء حينها شملت المسيحيين أيضا، وفتحت الباب على مصراعيه أمام انتهاك حرمات سائر الأديان، والتجمعات الدينية الأخرى، لاسيما من طرف التنظيمات الإرهابية التي تسيّدت المشهد العراقي بعد سنوات من ذلك التاريخ إلى حدٍّ صار به العراقيون يُطلقون على ما جرى في تلك المدّة بــ (أيام الطائفية)، وهذا التعبير الذي فاهت به أول مرة قريحة البغداديين في أغلب الظن صالحٌ ليكون مرادفًا تامًا لتعبير (أيّام الجاهلية ) بمعناه البكر الذي ذكره القرآن الكريم، وجوهره: شعور الشخص أنه أفضل من غيره، وهو الشعور المرضي الذي يرفض كل امرئ سويٍّ أن يوصم به، ولهذا ورد في الخبر أن الصحابي الجليل أبا ذر الغفاري وضع خدّه على الأرض، وأبى أن يرفعه عنها حتى يوطأ بقدم بلال الحبشي حين نعته مخاصمًا بابن السوداء، وردّ عليه النبي عليه الصلاة والسلام بالقول: يا أبا ذر إنك امرؤٌ فيك جاهلية!لكن لفظة (الجاهلية) المُنكرة المستكرهة فقدت تدريجيا كثيرا من حمولتها المعنوية السابقة، وخضعت لتطويع اصطلاحي مع مرور الوقت، فبات معظم الناس لا يرى فيها تلك الدلالات القديمة، وصرنا نسمع الآن على سبيل المثال عبارات من قبيل النثر الجاهلي، والشعر الجاهلي...الخ، فنُكبر الكلام ، ولا نستقبحه .من وجهة نظري فإن لفظة الطائفية كما يفهمها معظم العراقيين حاليا هي المرادف المطابق للفظة الجاهلية (أيام) اشتمالها على الدلالة السلبية الخالصة، ومن المناسب وفقا لهذا الاعتبار أن تكون محلا لوصف كلّ مُفَضِّلٍ لنفسه على غيره من دون وجه حق سواء أكان هذا التفضيل انطلاقًا من المذهب، أو الدين، أو العشيرة، أو العرق، أو المهنة أو المدينة، أو الرأي