حكاية أم تخوض معركة الحياة
فريدة الحسني
في غرفة الإنعاش في العراق، ترقد أمي التي أنهكها العمر وأتعبها المرض. أجريت لها قسطرة قلبية دقيقة، لكنها ما زالت تخوض صراعا صعبا مع شرايينها الثلاثة التي تمردت فجأة. قلبها الرقيق لم يعد كما كان، الشرايين التي وجدت لتمنحه الحياة أعلنت غضبها وكأنها قررت أن تحاصره من الداخل
الشريان الأمامي النازل، المعروف بـ (شريان الحياة) يضيق ويضغط على الجزء الأمامي من القلب، حتى بات الخطر يحيط بهمن كل اتجاه. أما الشريان المحيط الذي يلتف عادة حول القلب ليحضنه، فقد شد قبضته بدل أن يلين. والشريان التاجي الأيمن المسؤول عن تغذية الجهة اليمنى والسفلية أبطأ مساره وأثقل على قلب امي النقي كأن هذه الشرايين قد تآمرت في لحظة واحدة لتشن حربا ضروسا على قلب لم يعرف إلا النقاء. قلب أمي الذي احتوانا بالحب والرعاية منذ ولادتنا وحتى اليوم، فإذا به الآن يخوض معركة غير متكافئة مع من كان سندا له طوال العمر.
وجع مزدوج
وفي الجهة الأخرى من العالم، في أمريكا حيث الليل هناك في العراق، بينما يسطع النهار هنا، لكن قلوب الغربة لا تعرف فارق التوقيت. اقلب هاتفي بقلق، اترقب رسالة من شقيقتي لتخبرني أن امي تجاوزت مرحلة الإنعاش. لكن الهاتف صامت، وامي لا تستطيع الكلام. صمت ثقيل يضاعفه بعد آلاف الأميال، فيزيد الغربة وجعا فوق وجع الغربة هنا ليست فقط غيابا عن الوطن، بل غياب عن اللحظة الأهم، لحظة الوقوف بجانب الأم حين تحتاجك أكثر من أي وقت مضى أن تكون بعيدا عنها وهي على سرير الإنعاش هو ألم لا يقاس بالمسافة، بل بالحنين والعجز. الغربة ليست مطارات ومسافات،الغربة الحقيقية هي أن يكون قلبك هناك في العراق، بينما جسدك هنا في أمريكا أسير الانتظار