من عشرين سنة ، استعدادات كاملة للصيف القادم
الكهرباء.. معضلة الصيف وأغاني المراوح
لمى الربيعي
في العراق، لا تحتاج لنشرة جوية لتعرف أننا في آب؛ فالحرارة تحكي، والمراوح تئن، والمولدات تفرض سطوتها على الشوارع. الكهرباء في الصيف ليست مجرد خدمة عامة، بل أصبحت امتحان صبر، وفن بقاء، وموضوع النقاش الأول في المقاهي وعلى الأرصفة.
في أحدى مقاهي بغداد، يجلس أبو علي، الرجل الذي تحول إلى “ناطق رسمي” باسم المواطنين،
و الحرّ يلسع، والشاي يغلي، وأبو علي يغلي أكثر من الاثنين. ماسك الاستكانة ويقول لأبو سليم:
– "يا أبو سليم، الكهرباء صارت معضلة الصيف… ماكو موسم إلا وهي ضيف الشرف."
أبو سليم يضحك ويرد:
– "إي، بس الفرق إن ضيف الشرف يجي ويقعد، الكهرباء تجي وتلوّح بيدها وتمشي."
ابو علي "عقود بالمليارات لإصلاح الكهرباء، وكلها تبخرت بحر الشمس… هسه إذا يجمعون بس الحچي، جان صارت بغداد منورة أكثر من باريس!"
لا يكتفي أبو علي بالنقد، بل يجد دائمًا فسحة للسخرية، خاصة حين تلتفت المروحة نحوه ببطء، وتغني بصوت متقطع:
> لا تلوموني… ترى المولدة مظلومه، والكهرباء الحكومية معدومة
يضحك الحاضرون، ويصفق أبو علي وكأنه يشاركها اللحن:
> "هاي المروحة أصدق من تصريحات الوزير".
أما وعود الوزارة، فتأتي مع كل موسم حر، مصحوبة بابتسامات عريضة وتصريحات مطمئنة، لكن النتيجة النهائية تبقى كما هي: لا زيادة في التجهيز، ولا تحسن في الخدمة، والصبر يتحول إلى تراب.
ومثل أي مسلسل طويل ما ينتهي، يمكن تقسيم قصة الكهرباء في العراق إلى سبع حلقات ملحمية:
1. المولدة العاصية – حيث يبدأ الصراع بين المواطن وصوت المولد الذي لا يرحم.
2. فاتورة تحرق الجيب – كل دينار يطير أسرع من البرق… إذا كان البرق يجي أصلًا.
3. وعد الوزير العظيم – حكاية الأمل الذي يعود كل صيف ثم يختفي مع أول انقطاع.
4. الشاي المغلي يردّ الصاع صاعين – حين يتحدّى العراقي الحرّ بالشاي الحار.
5. المليارات التي ذابت في تموز – الأموال تصير بخار قبل ما تصير كهرباء.
6. الموسم القادم… للمرّة الألف – التحضيرات الأبدية التي لا ترى النور.
7. أبو علي ينتصر… بلا كهرباء – النهاية الأسطورية، حيث يبقى الصبر سيد الموقف.
وبين موسم وآخر، يطلع الوزير على الشاشة، يبتسم بثقة، ويعلن:
"استعداداتنا كاملة للصيف القادم."
يمر الصيف، ينتهي الموسم، ماكو غير نفس الجملة محفوظة للسنة الجاية… وكأنها أغنية سنوية للكهرباء بلا موسيقى.
المليارات تصرف، العقود توقّع، والمشاريع تبقى على الورق، لكن العراقيين ما زالوا يضحكون وسط الحرّ، يحتسون الشاي المغلي بفخر، وكأنهم يقولون:
"إذا الكهرباء ما ترجع… إحنا نرجع للقهوجي."
وهكذا، صارت الكهرباء في العراق مثل مسلسل طويل ما إله نهاية، وكل موسم نفس الأحداث: حرّ يطبخك، مولدة تذبح جيبك، ووعود تذوب أسرع من الثلج في تموز.
أما الحل؟ بسيط… الوزير يعدنا، نحن نصدّق، والشمس تضحك.
وفي النهاية، يظل العراقي يشرب الشاي في عزّ الحر، وكأنه يقول للكهرباء:
"غيابك علّمني الصبر… و علّمني اشون أدفع."
ختاما دعاؤنا هو ..
اللهم ارزقنا كهرباءً دائمة، وفاتورة خفيفة، وشايًا ثقيلًا في استكانة صغيرة… واجعل حرارة الصيف بردًا وسلامًا على قلوب العراقيين.