تأخير رواتب المتقاعدين في العراق
عبد الرزاق فرحان البهادلي
لم يعد تأخير رواتب المتقاعدين في العراق حدثًا عابرًا، بل تحول إلى ظاهرة تتكرر بين حين وآخر، وإن كانت لأيام معدودة، إلا أن أثرها بالغ على شريحة تُعد من الأضعف اجتماعيًا واقتصاديًا. فالمتقاعد يعتمد على راتب ثابت محدود، وغالبًا ما يعاني من أمراض مزمنة، ويحتاج إلى الدواء والغذاء والسكن، إضافة إلى متطلبات الحياة الأخرى من أجور المولدات والكهرباء والإنترنت والماء والمدارس والجامعات.
بين السياسة والتقصير
السؤال الذي يفرض نفسه:
هل تأخير الرواتب سياسة مقصودة أم مجرد تقصير إداري ومالي؟
ثمة من يرى أن الخلل يعود إلى ضعف الإدارة وتداخل الصلاحيات بين وزارة المالية وهيئة التقاعد، وتأخر إنجاز الجداول والإجراءات المصرفية.
في المقابل، يعتقد آخرون أن هناك إدارة غير شفافة للأموال، حيث تُستخدم موارد صندوق التقاعد في تمويل عجز مؤقت ثم يُعاد تعويضها لاحقًا، مما يخلق فجوة زمنية تنعكس على المتقاعدين.
وهناك من يذهب أبعد من ذلك، معتبرًا أن تكرار التأخير يشير إلى سياسة إهمال مقصودة، باعتبار أن المتقاعد لا يمتلك أدوات ضغط قوية كما يفعل الموظفون أو الكتل النقابية.
أين صندوق التقاعد؟
من البديهي أن يتساءل المتقاعد قبل غيره: إذا كانت الاقتطاعات الشهرية من رواتب الموظفين قد خُصصت طوال عقود لبناء صندوق تقاعدي، فأين هي أمواله اليوم؟ وهل ما زالت تؤدي الغرض الذي أُنشئت من أجله؟
تُطرح هنا ثلاثة تساؤلات محورية:
- لماذا لا تُدار أموال الصندوق بشكل مستقل عن الموازنة العامة لتكون في مأمن من تقلبات السياسة والاقتصاد؟
- لماذا لا تُستثمر هذه الأموال بشكل يحقق أرباحًا مضمونة تؤمّن استدامة الرواتب؟
- ولماذا لا تُنشر تقارير دورية شفافة توضّح للمتقاعدين وضع الصندوق وأين تذهب أموالهم؟
الأثر على حياة الناس
قد يظن البعض أن تأخر الرواتب لأيام أمر هيّن، لكنه في الواقع كفيل بأن يُربك حياة آلاف الأسر:
- مريض لا يجد ثمن دوائه.
- أب عاجز عن دفع أجور المدرسة أو الجامعة في موعدها.
- أسرة تضطر إلى الاستدانة لتغطية إيجار السكن أو أجور المولد.
إنها ليست مجرد «أيام تأخير»، بل فجوة قاسية في ميزانية أسر تعيش بالكاد.
من المسؤول؟
المسؤولية مشتركة
- وزارة المالية مطالبة بتأمين السيولة بشكل منتظم.
- هيئة التقاعد عليها إدارة بياناتها وأموالها بكفاءة وشفافية.
- الحكومة مجتمعة تتحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن كرامة المتقاعدين.
ما المطلوب؟
1. تحويل صندوق التقاعد إلى كيان مستقل يحظى برقابة مالية وقانونية صارمة.
2. أتمتة عمليات الصرف وربطها بالمصارف لضمان وصول الرواتب في موعد محدد لا يتغير.
3. تجريم تأخير الرواتب لأي سبب، باعتباره مساسًا مباشرًا بمعيشة فئة ضعيفة.
4. إعلان تقارير ربع سنوية عن وضع الصندوق، لتبديد الشكوك وتأكيد الشفافية.
خاتمة
إن تأخير رواتب المتقاعدين ليس خللًا في جدول صرف، بل خلل في منظومة احترام الإنسان. فالمتقاعد ليس عبئًا على الدولة، بل شاهد على بنائها.
وكل يوم تأخير هو يوم تُسحب فيه كرامته من تحت قدميه، بصمتٍ إداري لا يليق بوطنٍ يحترم تاريخه.