أنا المتبرع .. حكاية أخ أنقذ أخاه من الموت
محمود المسعودي
في قضاء الحسينية بمحافظة كربلاء المقدسة حيث يعيش الشاب بهاء في العشرينات من عمره ، حياةً طبيعية بين أهله ، حتى جاء اليوم الذي قلب الموازين ، حين أُصيب بمرض الفشل الكلوي الحاد .
خبر المرض نزل كالصاعقة على عائلته ، وخصوصاً والدته التي لم تحتمل وقع الصدمة ، فانهالت على من حولها بوابل من الأسئلة والدموع تملأ عينيها :
« من سيتبرع ؟ كيف سنتدبر تكاليف العملية ؟ ومن سيدفع المبالغ العالية ؟ وهل نحصل على الموافقات الرسمية ؟ «
في تلك اللحظات التي سيطر فيها الصمت والحزن على وجوه أفراد العائلة ، انطلق صوت ناعم بثقة حازمة ليكسر السكون .. كان صوت علاء ، الابن الأكبر للعائلة ، في الثلاثينات من عمره ، وهو يقول بلا تردد :
(أنا المتبرع ) .
كلماته وقعت كالصاعقة ، لكنها حملت دفء الأخوّة ، ووهج الإيثار . فاختلطت مشاعر الأم بين الفرح والحزن ، فرِحت بشجاعة ابنها ووفائه ، وبأنها ربت رجالاً نبلاء ، وحزنت لأنها ترى اثنين من أبنائها يواجهان مصيراً مجهولاً تحت مشرط الجراحة .. لم يفكر علاء في أطفاله ، ولا في زوجته ، بل كانت عينه على إنقاذ شقيقه ، متحملاً الألم والمخاطر ، ليُقدّم درساً في التضحية قلّ نظيره .
أُجريت العملية في أحد مستشفيات العاصمة بغداد ، بتاريخ الرابع عشر من شهر محرّم الحرام ، وهو موعد يحمل رمزية خاصة ، إذ اعتاد الاخوين في هذا الوقت من كل عام على خدمة الزائرين في أحد المواكب الحسينية . ليتبين أن هذه المواكب ليست فقط تقدم الطعام والشراب بل هي تقدم رسالة عظيمة من رسائل الطف الخالدة.. نجحت العملية ، وها هما بهاء وعلاء يرقدان معاً في المستشفى تحت الرعاية والمعاينة المشددة ، بينما تسجل هذه الحكاية واحدة من صور الوفاء والإخلاص ، وتجسّد رسالة كربلاء الخالدة : « انتصار الدم على السيف ) .