حينما ينكسر الجناح
ثامر محمود مراد
هناك لحظات في حياة الإنسان تشبه انكسار الجناح؛ حين يجد نفسه مدفوعًا إلى فضاء لم يختره، وحين يُنتزع من جذوره كما تُقتلع شجرة من أرضها العطشى. في تلك اللحظة يكتشف المرء أن الغربة ليست مسافة تقاس بالأميال، بل جرحًا يتسع كلما حاول تضميده. المنفى، في حقيقته، ليس أرضًا جديدة ولا بيتًا بعيدًا، بل هو فراغ داخلي يبتلع الذكريات واحدة تلو الأخرى. ومع ذلك، يبقى هناك خيط رفيع من الضوء يربط القلب بأول بيت عرفه، وأول يد صافحها، وأول رفاق ضحك معهم تحت سماء الطفولة .ما أشد قسوة أن يسكن جسدك مكانًا، بينما يظل قلبك يسكن مكانًا آخر! كل يوم في الغربة يتحول إلى سؤال معلّق بين الأرض والسماء: هل تعود الطيور إلى أعشاشها بعد طول غياب؟ وهل يمكن للروح أن تسترد وطنها بعد أن غادرت قسرًا؟ الزمن يمر، لكن الحنين لا يشيخ. إنه نار هادئة تشتعل في الأعماق، تذيب الصمت وتوقظ في الروح رغبة لا تهدأ في الرجوع. ربما يأتي اليوم الذي ينكسر فيه قيد الرحيل، وربما يظل الأمل معلقًا كحلم بعيد. لكن حتى وإن طال الانتظار، فإن الذاكرة وحدها تعرف أن للأرض الأولى مكانًا لا يمحوه البعد ولا يطفئه النسيان.