التناقض بين الرغبة والمهمة
جاسم مراد
ما من أحد في هذه الكونية ، ما يطمح للتطور ، والمعرفة ، والمال ، ولكن هذه الأهداف أو المشاريع ، تكون بالضد إذا تحققت على حساب مصالح الناس ، والدولة ، والوطن ، وبالضرورة إذا كانت على حساب الوطن وحقوق الناس ، تكون اشبه بعملية ابتزاز ووصولية وانتهازية وسرقة ، هذا من وجهة النظر الموضوعية يشمل الكل ، والأكثر خصوصية من الكل هم هؤلاء الذين يصلون الى المؤسسات التشريعية ، كمجلس الامة ، أو مجلس الشعب ، أو مجلس النواب .
لكون وصول هؤلاء جاء بانتخاب واختيار الناس ، والناس تريد من هذا الذي وصل لمجلس النواب ، انجاز نسبة معينة من الحقوق ، فمثلاً تحسين البنية التحتية لمدنهم ، وتبليط الشوارع ، وتشغيل ما يمكن من الشباب العاطلين ، والمشاركة بتنظيم المياه للمزارع ، والحضور بين فترة وأخرى بين الناس في احزانهم وافراحهم والاستماع لوجهات نظرهم والعمل على انشاء الملاعب الرياضية والأماكن الثقافية ، والمشاركة الفعالة في النقاشات والحوارات داخل المجلس ، لاسيما تلك المتعلقة بتشريع القوانين التي تهم مصالح الناس ، وتعزز قوة القانون والقضاء والدولة ، كذلك تلك القوانين المتعلقة بهدر المال العام والفساد وغيرها .
مراقبة وتدقيق ومحاسبة
ولكن هناك سؤال مهم ، هل الامر فقط متعلق بأعضاء مجلس النواب ، أم انه يشمل كل المؤسسات والدوائر التي وصلت للسلطة عبر الانتخابات أو التعيينات من الجهات الأخرى ، نعم يشمل أعضاء مجالس المحافظات ، ومن مسؤولية مجلسي النواب والوزراء المراقبة والتدقيق والمحاسبة ، ولكن بما إن الحديث الان يتعلق بانتخابات مجلس النواب ، لابد هنا من تناول قضيتين ، الأولى إن نسبة مهمة من المجتمع العراقي لدية قناعة بأن عدد ليس قليل من أعضاء مجلس النواب ، مهمته الوصول للمجلس وتحقيق الفوائد والمصالح الذاتية ، وبالتالي فهو مقتنع (إن غربت أو شرقت الدنيا )، ليس مهماً لدية ، لأنه تحقق مراده ، راتب عال ومجزي ، جوازات سفر دبلوماسية له وعائلته ، وراتب تقاعدي كان يحلم به . المسألة الثانية تتعلق بالمواطن ذاته ، فبعدما يدفع بكل جهده ، لإنجاح هذا المرشح في الوصول لمجلس النواب ، وبعدما يشعر انه ابتعد عن منتخبيه ومنطقته والناس ، بدأ يذمه ويسخر منه ، بل يحمل الدولة والسلطة التنفيذية كل ما يجري ، وهو بذلك يحاول أن يبرء نفسه من هذا الموقف وذاك السلوك لعضو مجلس النواب ، وفي حقيقة الأمر المواطن هو المسؤول الأول في الاختيار ، لو كان الامر يتعلق بتجربة جديدة ، لقلنا الخطأ مسموح ، ولكن الامر يتعلق بسنوات طويلة ودورات عديدة ، ويستمر الاختيار الخطأ، هنا يقفز الى الذهن السؤال التالي ، هل التربية الطائفية والمحاصصة العرقية والمذهبية ، وهل العشائرية هي التي فرضت على هذا المواطن الاختيارات الخطأ ، يمكن ان يكون ذلك ، ولكن اليس السنوات الماضية المحشوة بالقهر والعوز ونقص الخدمات واناس ذلت وأخرى غادرت قناعاتها بالنظام ، كافية لتعطي لهذا المواطن إمكانية التفكير بالاختيارات الصحيحة ، هنا تُطرح فرضية أخرى ليست اقل أهمية من الأولى ، وهي هل نحن كمواطنين ، لم نصل لحالة النضوج ، بحيث ليس بإمكاننا أن نميز بين الاختيارات الوطنية ، والاختيار المذهبي والعرقي والطائفي ، بحيث تختلط علينا المواقف ، ونقع في التيه ، بهذه الحالة لا نلوم إلا انفسنا ، لكوننا نحن الذين غادرنا الوطنية ، واصبحنا نلهث وراء ما يطرح من ( ترهات ) .
علينا أن ندرك كمواطنين عراقيين ، بما نمتلكه من ارث حضاري قل مثيله في الكونية ، إن مغادرة الوطنية العراقية ، لصالح المذهبية والعرقية ، هو ظرباً للمواطنة ، وهو انتقاص للعراقية ، وهو هلاك للمواطنة والاخوة المجتمعية ، فعندما يغادر عضو مجلس النواب لتعهداته لناخبيه وللمواطنين في مدينته،
ليس مستغرباً ذلك ، وإنما هو مهيأ لهذه المغادرة بتفكيره ومواقفه وسلوكه وانتقاله من مكان لأخر ، نعم مهيأ لذلك ، لكن نحن لم نرى ، وتختلط علينا المواقف ، ونَضيع في ترهات التصريحات . ما يهمنا هنا ونحن نقترب زمنياً من انتخابات مجلس النواب ، أن ندرك بأن العراق اكبر من الجميع ، وان العراق لا يمكن بالمطلق أن تمثله طائفة أو عرقاً ولا مذهبا ولا عشيرتًا ، العراق هو العراق ، ومن يريد ان يختار ، يبدأ بالانتماء الوطني ، ومنه تشتغل المحركات الأخرى في البناء والتخلص من قهر ضيم الحرارة والتأخر عن البلدان في النهضة العمرانية والثقافية والاقتصادية ، وهنا لابد من التذكير عن تساؤلات بداية هذا الموضوع ، ليس هو وحده مجلس النواب مسئولا عما يجري من خلل المتابعة والتدقيق والمحاسبة ، وإنما يمكن القول ماذا فعلت مجالس المحافظات هي الأخرى ، لوكان هناك شعوراً بمسؤولية هؤلاء بتقدم الخدمات للمواطنين والمتابعة والتدقيق عن الخلل والفساد لما حدثت كارثة واسط ، إذن لذلك نركز عن الاختيار الوطني الكفوء النظيف المخلص ..