الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الوقوف في منتصف الطريق

بواسطة azzaman

الوقوف في منتصف الطريق

محمد زكي ابراهيم

 

تمضي المشاريع في العراق وكأنها تحاول أن تنهض من ركام الحاجة، وأن تشق طريقاً محلياً بديلاً عن التبعية، فتارة تهدف إلى تقليص الاستيراد، وتارة تسعى لتقليل نزيف العملة، وتارة تطمح لأن تبتكر مورداً جديداً ينعش خزينة الدولة.

وتتعثر نسبة كبيرة منها قبل أن ترى النور كاملاً، فتتوقف في أول الطريق أو تتخبط في منتصفه، ثم تموت ببطء، وتُنسى بعد أن تستهلك طاقات وجهوداً وأموالاً ضخمة.

وتبقى الخسارة الأكبر معنوية، إذ تثقل النفوس بالخذلان، وتطفئ الحماسة، وتخنق المبادرات، وتغلق الأبواب أمام محاولات مشابهة كان يمكن لها أن تستمر في الاتجاه الصحيح.

وتتبدّى في كل مدينة عراقية مشاهد مأساوية لمصانع مهجورة، ومحطات عملاقة متآكلة، ومبانٍ لم تكتمل، ومدارس بلا طلبة، وموانئ تنتظر شيئاً لا يأتي، وقد تُركت جميعاً لعوامل الطقس تعبث بها.

ويتبع أكثرها القطاع العام الذي انتفخ في مرحلة من المراحل ضمن مشروع طموح لتحديث العراق، فيما تعود بعضها إلى مستثمرين خاصين لم يجدوا البيئة حاضنة.

وتستدعي هذه الصور في الذهن وجوهاً أخرى: شباناً عاطلين عند الأرصفة، عوائل بلا دخل، فرصاً تذروها الريح. ولا يقتصر الأثر على الراهن فحسب، بل يمتد ليصيب المستقبل، حين تفقد رؤوس الأموال ثقتها، وتقرر المغادرة إلى خارج الحدود، حيث الأمن الاقتصادي أكثر طمأنينة.

وفي دول الجنوب التي تحاول اللحاق بركب الشمال، لا مكان للمجازفات الواسعة، ولا للتجارب غير المدروسة. فالإخفاق المبكر كفيل بقتل الفكرة. وإن كان هذا يحدث حتى في العالم المتقدم، كما جرى مع طائرةالكونكوردالتي أُحيلت للتقاعد رغم ضخامتها وسرعتها الأسطورية، فإن في الغرب صيغة أخرى للإخفاق، حيث التجارب تُخضع لقوانين السوق الصارمة والتنافسية، لا العشوائية أو سوء الإدارة.

ويحدث أن تنهار مشاريع ضخمة بسبب عجزها عن تسديد كلفتها، أو بسبب تغيّر المعطيات. وقد كانت المصانع التي أنشئت في السبعينات والثمانينات شاهداً على هذا النوع من المشاريع، والتي وجدت الإدارة الجديدة صعوبة في إنقاذها أو حتى مجرد إعادة تشغيلها. فلا يمكن لحكومة مثقلة بالديون أن تحيي مشاريع ثبت فشلها.

 ويبدو أنه من الحكمة أن تتوجه الأنظار نحو مشاريع جديدة، أصغر حجماً، وأقرب إلى نبض الواقع، وأن يُمنح رواد الأعمال الشباب فرصة لتقديم بدائل حيوية، بدلاً من الارتهان لتجارب تحتاج أعواماً لتنضج، ورساميل ضخمة، وخبرات غائبة. وتبقى الصناعات الخفيفة والمشاريع الصغيرة هي الأمل الممكن في عراق اليوم. فليس المعيار في الضخامة، بل في الأثر. ولا في الهيكل، بل في العائد. ومن هنا يبدأ الطريق، لا من منتصفه.

 

 

 

 


مشاهدات 60
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/07/30 - 1:20 PM
آخر تحديث 2025/07/31 - 9:43 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 626 الشهر 21444 الكلي 11275055
الوقت الآن
الخميس 2025/7/31 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير