الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
توم براك .. عرّاب التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط

بواسطة azzaman

وعود بلا ضمانات

توم براك .. عرّاب التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط

عماد علوّ الربيعي

 

المقدمة

برز الى الساحة السياسية في منطقة الشرق الأوسط الساخنة، أسم (توم براك Tom Barrack)، المبعوث السامي الأمريكي الى سوريا ولبنان وسفير الولايات المتحدة لدى تركيا التي تضطلع بدور كبير ومؤثر في تطورات الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا ولبنان والعراق.. وكان ظهور توم باراك اعلى مسرح الاحداث قد بدأ في 29 مايو/أيار 2025، برفع العلم الأمريكي في مقر السفارة الامريكية بدمشق بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني. وقد شرع توم باراك بمهمته في المنطقة، بإطلاق تصريحات تشير بصورة غير مباشرة الى تغيرات في الخرائط السياسية في كل من سوريا ولبنان، ومستقبل شعبيهما، عندما كتب في 27 مايو/ أيار 2025، على صفحته على منصة إكس قائلا: إنّ «الخطأ الذي ارتُكب قبل قرن، حين فرض الغرب خرائط وانتدابات وحدودا بالقلم، وأخضع الشرق الأوسط لحكم أجنبي، لن يتكرر». وقال أيضا إن «عصر التدخل الغربي قد انتهى»، وإن المستقبل في سوريا سيكون «للحلول الإقليمية، والشراكات، ولدبلوماسية تقوم على الاحترام». وسرعان ما تزامنت مهمة توم باراك مع تحركات عسكرية أمريكية في سوريا تمثلت بتقليص متدرج للوجود العسكري للقوات الامريكية في سوريا من (8) قواعد، ثم الى (5) قواعد، ثم الى (3) قواعد عسكرية، في وقت يتصاعد في التوتر الأمني الداخلي في سوريا مؤشرا» الى احتمالية كبيرة لانزلاق الوضع السوري الى أتون حرب أهلية. والسؤال المطروح، هو عن أسباب اختيار توم باراك عرابا» لعملية التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط والتي سبق لرئيس الوزراء الصهيوني (بنيامين نتنياهوBenjamin Netanyahu) التبشير بها، اثر عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023؟

لماذا توم باراك؟

لم يكن اختيار توماس جوزيف باراك الابن (مواليد 28 أبريل 1947)، قرارا» ارتجاليا للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب Donald Trump)، الذي يوصف بانه صاحب القرارات الارتجالية السريعة، فتوم باراك ذو أصول لبنانية، وهو صديق قديم ومستشارا» سياسيا» للرئيس الأمريكي ترامب، بحكم كونه رجل أعمال ملياردير ومستثمر عقاري وسبق له أن قام بدور بارز في حملة ترامب الرئاسية عام 2016 وتولى رئاسة لجنة تنصيب ترامب رئيسًا. وسبق لتوم باراك العمل في المملكة العربية السعودية منذ عام 1972، وله علاقات واسعة مع مستثمرين من الشرق الأوسط، وكانت واحدة من أبرز صفقاته بيعه نادي (باريس سان جيرمان Paris Saint-Germain F.C) لكرة القدم، الذي كان يمتلكه الى لجهاز قطر للاستثمار، الى جانب شركة (ميراماكس للإنتاج السينمائي Miramax Films) قبل أن يبيعها أيضًا لجهات قطرية محققًا أرباحًا كبيرة. كل ذلك فتح الأبواب أمام توم باراك لولوج عالم السياسة في الشرق الأوسط، واستطاع أن يكون علاقات سياسية مع مسؤولين في قطر، والإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية، بذلك، جمع توم باراك بين عالم المال والسياسة، فكان جسرا» للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى منطقة الشرق الأوسط. من هنا نفهم أهمية الدور الذي على أساسه تم اختيار توم باراك ليكون عرابا» لعملية التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط لكون مكملا» مهما لبقية اضلاع المربع الفاعل في المشهد السياسي للشرق الأوسط الجديد الى جانب كل من تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، وهذا ما نلمسه بشكل واضح اليوم من خلال التحركات التي يقوم بها.

وعود بلا ضمانات

تميزت خطابات وتصريحات توم باراك، ومشاوراته مع المسؤولين في منطقة الشرق الأوسط، بإطلاقه الوعود دون أي ضمانات أو التزامات أمريكية، في وقت يدفع باتجاه التسويق والترويج لمسار التطبيع بي « إسرائيل « والدول العربية، لاسيما بعد تعثر هذا المسار (الاتفاقيات الابراهيمية)، بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ويحاول توم باراك، توظيف مخرجات وتداعيات المواجهة العسكرية بين ايران وإسرائيل التي امتدت لـ(12) يوميا» من أجل إعادة تفعيل الاتفاقيات الإبراهيمية. وفي نفس الوقت يركز توم باراك على تشجيع حكومة أحمد الشرع، على مكافحة الإرهاب واضعاف التنظيمات السلفية الجهادية وفي مقدمتها، تنظيم داعش. الا انه بالمقابل يسعى الى مأسسة الفصائل الجهادية بدمجها بالجيش السوري الجديد، ومنح المقاتلين الأجانب(السلفيين الجهاديين) الجنسية السورية، مما يؤشر سعي الولايات المتحدة الى دعم عملية التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط، بتغيير ديمغرافي قد يؤدي في النهاية الى تقسيم وتمزيق المجتمع السوري بل وحتى مجتمعات الدول المجاورة، فيما لو تم استقطاب المزيد من المقاتلين الأجانب اللذين قد يجدون في عملية التغيير الجيوسياسي للشرق الأوسط فرصة سانحة وكبيرة للارتزاق، من ورائها من خلال الالتحاق بالتنظيمات والفصائل المسلحة التي استفادت من سقوط نظام بشار الأسد وتراجع النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.

توم باراك والعراق

لم تكن سياسة توم باراك، المعبرة عن اهداف الولايات المتحدة الامريكية في التغيير الجيوسياسي في الشرق الأوسط ببعيدة عن الحالة العراقية أذ صرح في 10 يوليو/ تموز2025، لإحدى القنوات الفضائية العراقية، بأن النظام الفيدرالي في العراق فشل داعيا» الى تبني الدولة المركزية، بقوله:» رأينا أن الفيدرالية في العراق وسوريا غير مجدية ومن المستحيل إقامة دولة مستقلة داخل دولة «. ويؤكد توم باراك، ان الولايات المتحدة الامريكية لا نؤيد قيام دولة كردية مستقلة وانما احترام الهوية والثقافة الكردية في إشارة الى تصريحات سابقة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو Marco Rubio. ويبدو أن هذه التصريحات تدعم السياسة الامريكية لاسترضاء تركيا، خصوصا» بعد الاتفاق بين عبد الله اوجلان والحكومة التركية على القاء سلاح حزب العمال الكردستاني PKK، وفي نفس الوقت تحرص على تعزيز علاقاتها مع الحكومة العراقية الاتحادية في الجوانب الأمنية والاقتصادية والسياسية. كون هذه العلاقة ضرورية لدفع العراق الى المشاركة في مسار تطبيع العلاقات الإقليمية مع « إسرائيل «، ضمن رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمنطقة شرق أوسط مستقرة ومعزولة عن الهيمنة الإيرانية!

الخاتمة

لم يعد خافيا» على أحد أهمية الدور الذي يلعبه توم باراك في مسارات التغيير الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما بعد تصريحاته العديدة التي عكست استراتيجية أمريكية جديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، تمثلت بإعادة تموضع للقوات الامريكية في المنطقة مقابل تعزيز دور أمريكي أكثر فاعلية على الصعيد الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي، تمثل باستثمار مخرجات زيارة الرئيس ترامب الى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، والانفتاح على الأوضاع الجديدة في سوريا ولبنان وتشجيع الحكومة والقوى السياسية العراقية على الخروج من عباءة الهيمنة الإيرانية، ودعم خلع سلاح حزب العمال الكردستاني التركي PKK. تمهيدا» لمتطلبات التغيير الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط.

 

 باحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية


مشاهدات 181
الكاتب عماد علوّ الربيعي
أضيف 2025/07/28 - 2:35 AM
آخر تحديث 2025/08/01 - 12:46 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 326 الشهر 326 الكلي 11275412
الوقت الآن
الجمعة 2025/8/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير