الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
إطار قاعدة اللياقة في الحوار بين الموظفين

بواسطة azzaman

إطار قاعدة اللياقة في الحوار بين الموظفين

عماد يوسف خورشيد

 

الثابت أن الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يعيش مع مجموعة بشرية، في مجتمع قائم على الإعتماد المتبادل، وعلى هذا الحال فإن هناك مصالح قد تتضارب عند ممارسة أعمال الحياة اليومية لتأمين إستمرارية الحياة، مما يتطلب وجود معايير وقواعد تنظم الحياة وترسم حدود الحقوق والحريات الخاصة بكل شخص لضمان استقرار الحياة بين المجموعة البشرية واستمراريتها. وتمثلت هذه المعايير في الاتفاقيات الدولية، والدستور والتشريع، ومبادئ وأسس الدين، والعُرف المُستحسن. ولِتحسين الحياة وتقديم أفضل الخدمات وُجدت المؤسسات الحكومية والتي تدار من قبل موظفين يعملون مقابل رواتب وفق ضوابط ومعايير تنظم العلاقة فيما بينهم وبين المراجعين (1).

وفي هذه المقالة سنسلط الضوء على موضوع في غاية الأهمية، والذي نتجت عنه مشاكل وظيفية كثيرة، وكإجراء وقائي نود توضيح بعض الأسس الوظيفية لتجنب المشاكل قدر الإمكان في الايام القادمة، وفهم غاية وجود الوظيفة العامة ألا وهي: بيان القيم الوظيفية وآداب الحوار فيما بين الزملاء والمراجعين، والأسس التي تقوم عليها، والتي نراها ضرورة لا بد من ذكرها خصوصًا للموظفين حديثي التعيين، والتي التمسناها عند تقديم المحاضرات التطويرية لهم في الجامعة، آملين النفع للجميع مما سيذكر، ونرتئي ذكرها على النحو الآتي:

أولًا: التحلي بالقيم الإنسانية: إن أسس الحوار تستمد من القيم الإنسانية، وبالتالي نرى من الضروري البدء بتوضيحها بشكل عام. إذ يُقصد بالقيم في اللغة العربية: «الثبات والاستقرار، وكل جيد وما له قيمة ممتازة. وهي الدالة على الفضائل الدينية والخُلقية والاجتماعية.

أما معنى القيم في الاصطلاح: «فهي المثل والقواعد المستحسنة بالفطرة والعقل والشرع، والتي تقوم عليها الحياة الإنسانية، متميزة بها عن الحياة الحيوانية، ويمكن القول إنها القوانين والمحركات الداخلية الصامتة التي تعمل في سكينة بدون ضجيج وبلا كلل ولا ملل؛ لتصوغ ضميرًا حيًّا». ومن القيم الإنسانية: الصدق، الرحمة، العدل، الاحترام، التسامح، الشجاعة، والأمانة، بالإضافة إلى الإحسان، الكرم، المساواة، جبر الخاطر، الحياء، آداب عامة، التواضع...إلخ (2).

قيم انسانية

وتعد هذه القيم موجهة لسلوك الإنسان والتي تظهر في أفعاله عند اتخاذه موقفًا معينًا في الوظيفة العامة سواءً مع الموظفين أو مع المراجعين. ولِذلك فإن للقيم الإنسانية أهمية كبيرة في الاستقرار النفسي للفرد والوظيفة العامة. فالموظف يجب أن يكون في داخله قيمة الصدق في التعامل مع الموظفين وأن يكون عادلاً في إعطاء الحقوق، وأن يكون أمينًا على الأموال التي بحوزته وهكذا ...إلخ (3).

ثانيًا: اللياقة في الكلام: اللياقة في اللغة تعني: سلوكُ الإنسان في حياته مع غيره سلوكًا مُتَّسِمًا بالأدب والذوق (4). أما معناها في الاصطلاح: فهو التحدث بأسلوب مهني مناسب للسياق، وأن يكون بلغة إيجابية، وأن يكون مصحوبًا بالأدلة الموثوقة، وتجنب التعميمات السلبية أو الكلام المبتذل، وتبادل وجهات النظر، والمشاورة بهدوء وصدق، واكد المشرع العراقي على استخدام هذه الصفة عند مخاطبة مدير الدائرة او الشعبة والوحدة، فمن باب اولى ان يتحلى بها جميع الموظفين سواءً كانوا رؤساء او مرؤوسين لما فيه ذوق وادب (5). أما اللباقة في اللغة فتعني: حُسن تصرف بين الناس، حِذق. يُقدر جيدًا ما يناسب قوله أو فعله. من له معرفة في آداب السلوك والمعاشرة. أما اللباقة في الاصطلاح: الحكمة مع اللطف والكياسة في الحديث والتصرفات مع مراعاة مشاعر الآخرين – مواطنين وموظفين- والتعامل بصدق دون إستغلال أو إحتيال. حسن الاستماع إلى الآخر (6). 

وإن الأخذ وتطبيق كل ما تقدم من قبل الموظف يعزز ويبني العلاقات المهنية الصحيحة والمتينة مع الزملاء في الوظيفة، وبالتالي ينعكس بالإيجاب على تحقيق غاية الوظيفة العامة في تحقيق خدمة المواطنين (7).

ثالثًا: الكياسة والأدب: الكياسة: يقصد به تمكُّنُ النفوس من استنباط ما هو أنفع (8). بمعنى انه حسن التصرف والفطنة في المواقف المختلفة واختيار العبارات المناسبة عند الحديث. واكثر من ذلك، انه التعامل الراقي الذي يرفع من مكانة الموظف والوظيفة العامة، ويعزز بيئة عمل قائمة على الإحترام والتقدير المتبادل. وكل ذلك يأتي من: احترام القوانين والأنظمة الإدارية، الالتزام بأوقات الدوام وإنجاز المهام الموكلة إليه، التعامل بروح الفريق الواحد لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين. وفي هذا الاتجاه يقول سيدنا الإمام علي (عليه السلام) «الكَيِّسُ من كان اليوم أعقل من أمسه». أي أن الحكمة والكياسة تكون في تطوير الإنسان لنفسه بزيادة علمه والتمسك بالقيم لنمو وعيه.

رابعًا: حكمة الصمت: وهي المحرك الذكي داخل نفس الإنسان للتعامل مع المواقف في الوظيفة العامة بحكمة واتزان. ومن فوائدهِ: يمنح الوقار، وإنطباع الثقة بالنفس وعدم التسرع في بيان الراي. ويعطي مساحة للتفكير وتجنب الأخطاء. وهو دِرع من المشكلات، إذ يقلل من الدخول في نقاشات جانبية أو خلافات ومجادلات تنتج عنها مشاكل. ويحفظ أسرار الوظيفة، وهو دليل لقيم الأمانة التي يحملها الموظف. ويكون الصمت في كثير من الأحيان أبلغ من الكلام في مواجهة الاستفزاز والنقد. ولذلك (الموظف الناجح يتقن مهارة الاستماع أكثر من مهارة الكلام).

مصلحة شخصية

خامسًا: التواضع: وهو من القيم الوظيفية التي تتلخص في معاملة الآخرين باحترام ولطف، وعدم التكبر على المراجعين أو الزملاء، والابتعاد عن استغلال المنصب لتحقيق مصلحة شخصية، بل يكون قريبًا من الناس يسمع لهم وينجز أعمالهم ويعطي كل ذي حق حقه. ويعد التواضع من القيم المهمة في الوظيفة العامة التي يجب أن يتحلى بها الموظف، خصوصًا من يشغل موقعًا إداريًّا أو وظيفيًّا يمكنه من التعامل المباشر مع المراجعين، أو من يمتلك سلطة اتخاذ القرار. وإن معيار وجود قيمة التواضع في الموظف تظهر في:  الاستماع والفهم الجيد لكلام وتلبية احتياجات المراجعين، والزملاء الموظفين وفق القوانين والتعليمات النافذة، والرد بأدب والاحترام مهما كانت الظروف، والاعتراف بالخطأ إن وُجد من قبل الموظف وتصحيحه دون عناد، لان العناد مهلكة للمتمسك به، وتجنب التعالي، ومعاملة الناس على اساس المساواة.

ادسًا: تعزيز الصورة الايجابية للدولة: الموظف هو مرآة للمؤسسة التي يعمل بها وبالتالي يعد مرآة الدولة.

وسلوك تعامله مع الزملاء والمراجعين وما يحمله من قيم إنسانية يعكس توجه الدولة في التعامل مع المجتمع، ولذلك يجب أن يكون الموظف حاملاً للقيم التي تحفظ كرامة المراجعين والزملاء في الوظيفة ليكون مثالا يحتذى به في المجتمع وينقل صورة ايجابية عن المؤسسة التي يعمل بها.

وخلاصة القول، الموظف سواءً كان رئيسًا او مرؤوسًا مُلزم بالعمل وفق ضوابط ومعايير وضعت من قبل المشرع العراقي عند أداء وظيفته، ومن هذه المعايير: اللياقة في الكلام مع الزملاء والمراجعين وصولًا الى تحقيق غاية الوظيفة العامة من تقديم أفضل الخدمات للمواطنين. أما في حال عدم الالتزام بما تقدم، فان القانون يلزمه جبرًا بالتقيد بهذا الإطار في الحوار، من خلال تشكيل لجنة تحقيقية وفرض العقوبة التي تتناسب مع المخالفة الانضباطية وكل ذلك وفق قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام العراقي رقم 114 لسنة 1991 المعدل النافذ. ومعلوم ان اللجان التحقيقية لا تتشكل بحق الموظف صاحب الذوق والادب، وحامل القيم الانسانية، فيما يخص موضوع المقالة- كما وضحنا اعلاه- وخاصة إذا كنا نستحضر قوله سبحانه وتعالى في القران الكريم «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوًا مبينًا» [الإسراء: 53]، وقوله تعالى: «إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه» [فاطر: 10]. وحديث سيدنا محمد صل الله عليه وعلى اله وصحبه سلم ( الكلمة الطيبة صدقة).

 

الجامعة التقنية الشمالية/ كلية البوليتكنك كركوك

المراجع

1. د. عماد يوسف خورشيد. ما هو القانون ؟ صحيفة الدستور / بغداد. [متصل] 23 8, 2025. [تاريخ الاقتباس: 16 9, 2025.] https://www.addustor.com/content.php?id=65936.

2. د. عماد يوسف خورشيد. ما هي القيم الانسانية ؟ صحيفة الزمان / العراق. [متصل] العدد 8269 ، 27 8, 2025. [تاريخ الاقتباس: 16 9, 2025.] https://www.azzaman-iraq.com/content.php?id=109994....

3. د. عماد يوسف خورشيد. نطاق تجريم عرض المحتوى الالكتروني المخل بالحياء والاداب العامة. [مؤلف الكتاب] د. عماد يوسف خورشيد. . بغداد : مكتبة التشريع القانونية للطباعة والنشر، 2025، الطبعة الثانية، ص 39). . بغداد  : مطبعة التشريع القانونية. ، الطبعة الثانية 2025.

4. المعاني. [متصل] [تاريخ الاقتباس: 16 9, 2025.] https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%82%D8%A9/.

5. المشرع العراقي. قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 114 لسنة 1991 المعدل النافذ. . [مؤلف الكتاب] المادة 4/ 3. العراق  : اسم غير معروف.

6. د. عثمان سلمان غيلان العبودي. اخلاقيات الوظيفة العامة. بغداد  : لا يوجد، 2011. صفحة ص 197. المجلد الاولى.

7. المشرع العراقي. قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام. المادة 3،4 . العراق : اسم غير معروف، رقم 114 لسنة 1991 المعدل النافذ .

8. المعاني. معنى الكياسة . المعاني . [متصل] [تاريخ الاقتباس: 16 9, 2025.] https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D9%83%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/.

 


مشاهدات 66
الكاتب عماد يوسف خورشيد
أضيف 2025/09/17 - 3:18 PM
آخر تحديث 2025/09/18 - 12:52 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 46 الشهر 12358 الكلي 12030231
الوقت الآن
الخميس 2025/9/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير