الأنبوب المغلق والسيادة المفتوحة.. خيارات الحكومة العراقية مع تركيا
ضياء واجد المهندس
أقدمت تركيا مؤخرًا على خطوة أحادية الجانب تمثلت بإلغاء اتفاقية خط أنابيب النفط العراقي التركي الموقعة عام 1973، وهي اتفاقية كانت تُتيح تصدير النفط من شمال العراق عبر ميناء جيهان التركي إلى الأسواق العالمية أكثر من نصف مليون برميل يوميا".
هذا الإجراء التركي، الذي جاء بعد حكم تحكيمي دولي لصالح بغداد، لا يجب أن يُنظر إليه كإجراء فني أو تجاري فقط، بل باعتباره فرصة استراتيجية تعيد تشكيل العلاقة بين العراق وتركيا على أسس عادلة ومتوازنة.
أولًا: المفاوض العراقي
أمام هذا المنعطف الحاسم، لا بد أن تبادر الحكومة العراقية إلى تشكيل فريق تفاوضي وطني مستقل، يمثل الدولة العراقية لا الأحزاب أو الجهات المنفذة الذي بعضها تدين بالولاء لا دوغان وحزبه. يجب أن يكون هذا الفريق مسلحًا الكفاءة السياسية و القانونية، والاقتصادية، والخبرة في ملفات المياه والطاقة والسيادة.
فالعراق بحاجة اليوم إلى من يفاوض باسم الشعب لا باسم المكونات، ومن يدافع عن النفط والماء والأرض والاجواء، لا عن "المصالح المشتركة" المبهمة التي كانت دومًا بوابة للتنازلات.
ثانيًا: أوراق القوة العراقية المهملة
1. الصادرات التركية للعراق: ورقة ضغط بامتياز تركيا تُصدِّر للعراق سنويًا ما يزيد عن 15 مليار دولار من البضائع، بحسب وزارة التجارة التركية (2023).
ويُعد العراق ثاني أكبر سوق للبضائع التركية عالميًا، بعد ألمانيا.
ومعظم هذه السلع تستهلك في مناطق وسط وجنوب العراق، أي تحت سلطة الحكومة الاتحادية، مما يمنح بغداد قوة ضغط هائلة على الاقتصاد التركي، لم تُستخدم حتى الآن بجدية.
2. ملف المياه:أزمة وجود لا أزمة مناخ..
تعاني البلاد من تراجع مائي حاد بسبب السياسات التركية في بناء السدود دون تنسيق أو اتفاق مع العراق.
انخفضت واردات نهري دجلة والفرات إلى أقل من 50% من حصص العراق السابقة.
يواجه أكثر من 7 ملايين عراقي خطر النزوح أو العطش، وفق وزارة الموارد المائية.
سد إليسو وحده تسبب بخفض منسوب دجلة بنسبة تجاوزت 60%.
إن ربط ملف النفط بملف المياه لم يعد ترفًا سياسيًا، بل ضرورة وطنية لحماية الحياة على ضفاف الرافدين.
3. القواعد العسكرية التركية: احتلال بلا غطاء قانوني..
تنتشر اليوم أكثر من 100 نقطة وقاعدة عسكرية تركية داخل الأراضي العراقية، خصوصًا في إقليم كردستان، تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني.
هذه المواقع تُنفذ عمليات عسكرية دون علم أو موافقة بغداد.
تشكل خرقًا فاضحًا للسيادة العراقية وميثاق الأمم المتحدة.
ولا يعقل أن تتحدث الحكومة عن "تحسين العلاقات" مع طرف يزرع قواعده داخل أراضيك كأنه في نزهة.
ثالثًا: تفعيل الاتفاقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة..
ضمن الاتفاقية الإطارية الاستراتيجية الموقعة بين بغداد وواشنطن عام 2008، تلتزم الولايات المتحدة بدعم العراق في الحفاظ على سيادته وأمنه ومواجهة التهديدات الخارجية.
فلماذا لا تطلب بغداد من واشنطن أن تفي بالتزامها هذا؟
ولماذا لا تُمارس ضغوط أمريكية على أنقرة لوقف تجاوزاتها في ملفات النفط والمياه والسيادة؟
آن الأوان لتحويل العلاقة مع الولايات المتحدة من مجاملة سياسية إلى شراكة ذات نتائج ملموسة في الميدان الدبلوماسي والأمني.
رابعًا: ما المطلوب من الحكومة؟
تجميد أي تفاوض نفطي مع تركيا حتى يتم ربطه بملفات المياه والوجود العسكري، في حزمة تفاوض شاملة ومتوازنة.
تشكيل وفد تفاوض وطني يتمتع بالصلاحية والاستقلالية بعيدًا عن المحاصصة السياسية.
فرض قيود على التبادل التجاري مع الشركات التركية العاملة داخل العراق إذا استمر التجاهل التركي للمطالب العراقية.
إطلاق حملة دبلوماسية دولية تشرح مظلومية العراق في ملفي المياه والسيادة، وتطالب بموقف من جامعة الدول العربية و مجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
إشراك واشنطن بشكل رسمي ومباشر في ملف الضغط على تركيا استنادًا إلى الاتفاقية الأمنية الموقعة معها.
أخيرًا:
الأنبوب الذي أُغلق قد يُعاد فتحه، لكن السيادة إذا أُهينت لا تُرمم بسهولة.
العراق ليس دولة ضعيفة، لكنه بحاجة إلى قيادة تُحسن استخدام أوراقها، وتعرف أن النفط ليس فقط سلعة.. بل أداة ضغط ومكانة.
ومن لا يملك الجرأة على المواجهة، عليه ألا يجلس على طاولة التفاوض.
رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشح مستقل
قائمة البديل
تسلسل 9