الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الكوت وما يختبئ خلف ورقة التوت

بواسطة azzaman

الكوت وما يختبئ خلف ورقة التوت

علي حجارة

 

شعبٌ لاينام، ولايأكل ما يصلح للاستهلاك، ولا يتنفس سوى ما يختلط بنتاج عوادم السيارات، والأبخرة الكبريتية مجهولة المصدر، ويتقافز بأجياله من حربٍ إلى أخرى ضمن قرارات أفراد لايهمهم سوى تحقيقات نبوءات شخصية بصقها التاريخ منذ آلاف السنين .. ثم بعد هذا كله يأتي شخصٌ ما ليتساءل كيف ينسى هذا الشعب، ولماذا ذاكرته قصيرة إلى هذا الحد ؟!! ، وبدورنا نُجيب بسؤالٍ آخر هل هناك ذاكرة طويلة الأمد و ردُّ فعلٍ ينتج عنها أمام كل هذه الفوضى وأمام نتاج تفاهة العصر ؟! ...

وسائل إعلامنا ومواقع التواصل التي تزدهر على هواتفنا، الرسمي منها وغير الرسمي، تتندر اليومين الماضيين بمتابعة حامية لما حصل من فاجعة الحريق الذي التهم مبنى تجاري ( هايبر ماركت ) في الكوت، وتسبب باستشهاد أكثر من 61 شخصًا، بينهم 43 تسلم أهاليهم شهادات وفاتهم، و18من مجهولي الهوية، وهذه الوسائل ستركز في العادة على الانتقاد الآني، ورمي التقصير على أفرادٍ بعينهم لينتهي القصاص ( كالعادة ) إلى الطرف الأضعف  أو يتحول التحقيق في الأمر إلى لجان لاتفضي سوى إلى سرد يخلو من إظهار المسؤول الصريح فتُعلّب القضية في النهاية، وتوسم بالـ ( قضاء والقدر ) وتُرمى في أدراج النسيان .. والأخير هو الطامة الكبرى، وأقصد بذلك النسيان لاغيره ! .

نعم .. النسيان .. آفة هذا الزمان، فالشعب الساهر الذي اعتاد ختم يومه بما قالته البلوغر الشاعرة أو ما آلت إليه قضية المطربة الداعرة، واستهوى ما يفرزه التيكتوك من غثاءٍ أحوى يُخدّر أفراده سينسى ما حصل من فاجعة في الأمس القريب وسينسى أيضًا ما سيحصل من فواجع في المستقبل أيضًا. وهو مستمر في هذه الدوامة التي تقف خلف ورقة التوت المتمثلة بتصريحات الحكومة ونتائج اللجان المذكورة سابقًا .. كيف ذلك ؟ ربما تتساءل .. حسنًا سنمر على بعض المشاهد التي تشبه ما حصل في الكوت من باب ( ذكّر إن نفعت الذكرى )  ثم نمر على الآفة التي تنخر مجتمعًا بأكمله !! ..

مؤسسات صحية

في آب 2016 وإثر تماس كهربائي ( كما أُعلن لاحقًا ) توفي 11 طفلًا خديجًا ( على الأقل ) في مستشفى اليرموك غرب بغداد عدا الحروق التي أصابت 40 شخصًا أغلبهم من النساء، ليؤكد عضو لجنة الصحة إثر الحادث المفجع بأن ( المؤسسات الصحية في البلاد تُعاني من قلة التجهيزات الطبية ورداءتها وضعف وسائل السلامة ).. ونحن نتساءل هنا، من هو المسؤول الصريح ؟ .. لا أحد يعرف !!.

في نيسان 2021 وقع حريق في مستشفى ابن الخطيب إثر انفجار إحدى اسطوانات غاز الأوكسجين، وقد كان المستشفى مخصصًا لعزل مرضى وباء فيروس كورونا، مما أدى لاستشهاد 82 شخصًا، وإصابة 110 بحروق، وآلت التحقيقات التي تبعت تصريحات رئيس الوزراء السابق آنذاك الذي عدّ الحادث ( نكسة تمس الأمن القومي ) إلى أن أسبابه تعود إلى عدم الالتزام بشروط السلامة !، من هو المسؤول الصريح؟ .. لا أحد يعرف ...

في سبتمبر 2023، فُجع العراقيون باستشهاد أكثر من 122، وإصابة 82 شخصًا، إثر حريقٍ شب في قاعة عرس في منطقة الحمدانية في محافظة نينوى، إذ سيطرت ألسنة اللهب على محيط القاعة التي كانت زواياها وسقفها وأسلاك التكييف التي تحيطها مخالفة لشروط السلامة، من المسؤول الصريح ؟ ..

لا أحد  يعرف ...

في إكتوبر 2022 انهار مبنى المختبر الوطني للتحليلات المرضية الحكومي بشكل مفاجئ في وسط العاصمة وبالتحديد في منطقة الكرادة، مخلفًا 4 مفقودين، وجدلًا مستمرًا بين هيئة استثمار بغداد ووزارة الصحة وأمانة بغداد، آل في النهاية إلى لجان برلمانية أكدت أن أسباب الانهيار يتعلق بعدم مراعاة الشروط الهندسية المطلوبة وغياب المراقبة! .. من هو المسؤول الصريح؟ ، لا أحد يعرف ...

في حزيران 2024 تم إنقاذ 41 طفلًا حديث الولادة، كانوا يتلقون العلاج في قسم الخدج، والعشرات من النساء اللواتي خضعن لعمليات قيصرية داخل مستشفى الزهراء في محافظة النجف، وتبين لاحقًا أن سبب الحريق هو عدم مراعاة تصميم الكابلات الداخلية مما أدى إلى تماس كهربائي، وهو نفس السبب المعلن في نفس الشهر من نفس السنة حين تم إخماد حريق آخر في عنبر الخُدّج وإنقاذ 16 طفلًا في مستشفى ولادة بلدروز في محافظة ديالى!!، من المسؤول الصريح ؟ .. لا أحد يعرف ...

وأكتفي هنا بهذه الأمثلة دون ذكر الحرائق الناتجة عن أعمال إرهابية، والتي بدورها التهمت المئات في سويعات، وأتساءل معك عزيزي القارئ، ما هو العنصر المشترك بين الحرائق المذكورة وما حصل في الكوت بغض النظرعن أن أغلبها حاصل في أشهر الصيف القائض وعدا أن أسبابها في المجمل ناتج عن الإهمال .. ما هو العنصر الذي يتكرر على حساب أرواح عوائنا وفلذات أكبادنا المتفتتة إثر اللهب .. ما الذي يختبئ خلف ورقة التوت ؟!! ..

نعم ... إنه النسيان مرة أخرى.. نسيان الخطأ الذي يُنتج الفاجعة، ونسيان المسؤول الصريح عنها، ونسيان القيام بحلول جذرية ونسيان إهمالنا المتكرر .. وكأن شعار المرحلة هو البدء من جديد على حساب الخطأ القديم دون تصحيحه أو العودة إليه لأن نسيانه هو القاعدة الثابتة ، وبالتأكيد فالمسؤول الحكومي واللجان الموقرة عرفت لعبة النسيان هذه، ليستمر تسويف كل قضية بسرد أجوف لا حقيقة خلفه حتى تبرد القضية، وينتهي كل شيء وكأنه لم يكن...

مشاهد وصور

والقاعدة الثابتة هنا هو أن كل حريق يحصل في البلد وربما كل فاجعة بشكلٍ عام، من الممكن أن تمر مرور الكرام إن تم إغراقها بتصريحات من هنا وهناك، مع كم لايستهان به من المشاهد والصور الحزينة ثم محاولة ضخ تفاهة بشكل معاكس من باب تخفيف الحزن على المجتمع المقهور  إثر الفاجعة ..

وهكذا تمت الأمور بسلام دون أن تعرف من المسؤول الصريح عن كل ما جرى ودون أن تتأكد من أن الدولة قد حدّثت شروط السلامة واتخذت قرارات حاسمة بشأن المخاطر التي تؤثر على حياة الأفراد، ودون أن تدرك أن كل ما يجري هو لعبة كبيرة أصلها مهندس متهاون، ومُدقق فاسد، ومُستثمر لايهمه سوى المال، وسياسي يربط كل ما سبق ليأخذ عمولته.. لتستيقظ ناسيًا كل ذلك على وقع قصة أخرى بعد مدة لبلوغر فسخ خطوبته عن إحداهن، أو مجموعة المنتخب وحساب نقاطه، ومن ثم فاجعة أخرى وقضية حزينة بتفاصيل كاملة مع صور وفيديوات وقصائد ، وهكذا دواليك ... !


مشاهدات 94
الكاتب علي حجارة
أضيف 2025/07/19 - 3:26 PM
آخر تحديث 2025/07/20 - 12:08 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 419 الشهر 12827 الكلي 11166439
الوقت الآن
الأحد 2025/7/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير