الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مسلم بن عقيل السفير الخالد.. بطولة خلدها التاريخ في واقعة الطف

بواسطة azzaman

مسلم بن عقيل السفير الخالد.. بطولة خلدها التاريخ في واقعة الطف

حسين الزيادي

 

مسلم بن عقيل بن ابي طالب سيف من أسياف آل محمد ، سجل أروع آيات الشجاعة والبطولة والصلابة والثبات ، فكان مثالًا في الشجاعة والإخلاص والوفاء، مضى بثبات ويقين في طريق الحق، حتى نال وسام الشهادة رافعا راية الوفاء لأهل البيت عليهم السلام، وسجل سفراً خالداً في التضحية والفداء والإيثار, فكان سفير الحسين ومعتمده وثقته إلى الكوفة, إنه مسلم بن عقيل (عليه السلام)، حفيد سيد مكة ومن اقطاب آل أبي طالب سادة قريش والعرب.

السفير الخالد

  هو سفير الإمام الحسين (عليه السلام) وابن عمه وثقته من اهل بيته، وقد أرسله الى أهل الكوفة؛ لأخذ البيعة منهم، قائلاً لهم :(قد بعثت لكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي) ، انطلق مسلم بن عقيل إلى الكوفة حاملاً رسالة الحسين (ع)، وكان يعلم أن الموت يتربص في تلك الازقة، لكنه اخترق ظلام الخيانة بقلب ملبد بالإيمان، ومكتنز بحب سيد الشهداء عليه السلام، وواجه جحافل الغدر وحيداً، فلم ترهبه كثرتهم ولا سيوفٌهم المُسلَّطةٌ، ولا وعودٌهم الكاذبة، بل وقف يُذكّرُه بايام الله، وتحولت طعناتهم الى ملاحم توقظ ضمائرَ الأمة.

شجاعته

جاء في كتب التاريخ أنّ مسلم بن عقيل كان محارباً قوياً وبطلاً ضرغاماً، وفي ذلك يقول الدينوري: وخرج ولد عقيل مع الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقتل منهم تسعة نفر، وكان مسلم بن عقيل أشجعهم، وكان سفير الحسين فقتله عبيد الله بن زياد صبراً ، وذكر أحمد الكوفي في كتابه الفتوح: أن عبيد الله بن زياد  أرسل إلى مسلم ثلاثمئة رجل بقيادة محمّد بن الأشعث، فسمع مسلم وقع حوافر الخيل فتبسّم و قال:  يا نفس! أخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص، وخرج مسلم في وجوه القوم كأنه أسد مغضب، فجعل يضاربهم بسيفه حتى قتل منهم جماعة، فبلغ ذلك عبيد الله بن زياد، فأرسل إلى محمد بن الأشعث وقال: سبحان الله! بعثناك إلى رجل واحد تأتينا به، فأثلم في أصحابي ثلمة عظيمة، فأرسل إليه محمد بن الأشعث: أيّها الأمير، أما تعلم أنّك بعثتني إلى أسد ضرغام، وسيف حسام، في كفّ بطل همام، من آل خير الأنام، وقد شارك مسلم عمه علي عليه السلام في حربه صفين فكان في صفوف القادة ، كما ذكر ابن شهر آشوب في صفة جيش صفين وذكر المؤرخين في وصف مسلم بن عقيل (كان مثل الأسد وقد كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده فيرمي به فوق البيت) ويقول البلاذري: (وكان مسلم بن عقيل من أرجل ولد عقيل وأشجعهم) وذكره الدينوري فقال : (وكان من أشجع الناس) ، وهناك أقوال لا يتسع المجال لذكرها اجمعت كلها على شجاعة وفروسية وحكمة مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، وليس أدل على شجاعته من قول رسول الله (ص): (رحم الله عمي أبا طالب فلو أولد الناس كلهم لولدوا شجعانا) ومسلم من ذروة آل أبي طالب.

 أولاده

تزوج مسلم من ابنة عمه رقية بنت أمير المؤمنين، وقد ولدت له ثلاثة أولاد وبنت واحدة, أما الأولاد فهم عبد الله وهو أكبر أولاده, وقد استشهد مع الإمام الحسين (ع) في كربلاء, وكان له من العمر سبعة عشر سنة, وأحمد, وإبراهيم, وهما الطفلان اللذان ذبحا على شاطئ الفرات في المسيب بعد واقعة كربلاء, أما البنت فهي حميدة الطفلة التي مسح الإمام الحسين عليه السلام على رأسها حين جاءه خبر استشهاد أبيها، وقد انقرض نسل مسلم فقد استشهد أولاده كلهم، ولمسلم ولد آخر استشهد مع الإمام الحسين (ع) من غير رقية وهو محمد بن مسلم بن عقيل وقد استشهد أيضاً مع أخيه عبد الله في كربلاء.

جاء في  اللهوف لابن طاووس: لما قُتل هاني بن عروة بلغ خبره مسلم بن عقيل فخرج بمن بايعه إلى حرب عبيد الله بن زياد، فتحصن منه بقصر دار الإمارة، واقتتل أصحابه وأصحاب مسلم، وجعل أصحاب عبيد الله الذين معه في القصر يتشرفون منه ويحذرون أصحاب مسلم، ولكي يفرّقوا أنصاره من حوله أخذوا يتوعدونهم بأجناد الشام، فلم يزالوا كذلك حتى جاء الليل.

بعد ذلك جعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه، ويقول بعضهم لبعض: ما نصنع بتعجيل الفتنة أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم، فلم يبق معه سوى عشرة أنفس، فدخل مسلم المسجد ليصلي المغرب فتفرق العشرة عنه، ولمّا رأى مسلم ذلك خرج وحيداً في دروب الكوفة حتى وقف على باب امرأة يقال لها طوعة، فطلب منها ماءً فسقته، ثمّ استجارها فأجارته، فعلم به ولدها فوشى الخبر بطريقة إلى ابن زياد، فأحضر محمد بن الأشعت وضم إليه جماعة وأنفذه لاحضار مسلم.

وعندما سمع مسلم وقع حوافر الخيل لبس درعه وركب فرسه وجعل يحارب أصحاب عبيد الله حتى قتل منهم جماعة، فناداه محمد بن الأشعث وقال: يا مسلم لك الأمان، فقال مسلم: وأي أمان للغدرة الفجرة؟  ثمّ أقبل يقاتلهم ويرتجز: أقسمت لا أقتل إلا حراً وإن رأيت الموت شيئاً نُكرا، وتكاثروا عليه وقد أثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض فأُخذ أسيراً .

حواره مع عبيد الله بن زياد

ما كان ليُقْدِمَ على الموت المُحتوم إلا رجلٌ استعلى إيمانه على سطوة السيف، فكان ابن عقيل بركان من الشجاعةٍ يُزلزل عروش الطغاة في زمن الاستسلام، فلم يُرهبه أن يُحاصَر في دارٍ بلا ناصر، ولا أن يُسلّم رأسه ثمنًا للحق،  لما أدخل على عبيد الله لم يسلم عليه، فقال له الحرس: سلّم على الأمير، فقال له: أسكت، ويحك، والله ما هو لي بأمير، فقال ابن زياد: لا عليك، سلمت أم لم تسلم فإنك مقتول، فقال له مسلم: إن قتلتني فلقد قتل مَن هو شرّ منك مَن هو خير منّى، وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لا أحد أولى بها منك، وبعد محاورة طويلة اظهر بها ابن عقيل صلابة الرأي وحصافة العقل وقوة المبدأ،  أمر ابن زياد بكير بن حمران أن يصعد به إلى أعلى القصر فيقتله، فصعد به وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلّى على النبي ، فضرب عنقه  ورمي بجسده الشريف من اعلى القصر.

أمّا تاريخ شهادته ففي الإرشاد: كانت شهادته في التاسع من ذي الحجة  يوم عرفة ،  ثمّ إنّ ابن زياد نصب رأس مسلم بن عقيل على الخشب بالكوفة وهو أول رأس نصب في الإسلام.

رحل ابن عقيل تاركاً سفراً من البطولة والاباء، راسماً على غرة التاريخ قصة الدم الهاشمي الزاكي ، اثبت مسلم ان الشهادة هي البداية التي توقظ الامة من سباتها العميق، سقط ذلك الجسد الشريف في ازقة الكوفة لكن ارثه صار منارة لكل احرار العالم ، لقد اوصل لنا الشهيد رسالة مفادها: ان السفير الحقيقي لا يحمل الخطابات فقط بل يحمل روحه على كف الاباء ، فسلام عليك يامسلم يوم ولدت ويوم تموت ويوم تبعث حياً...


مشاهدات 88
الكاتب حسين الزيادي
أضيف 2025/06/14 - 3:09 PM
آخر تحديث 2025/06/15 - 12:48 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 333 الشهر 9774 الكلي 11144428
الوقت الآن
الأحد 2025/6/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير