الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العالم‭ ‬الغني‭ .. ‬والعالم‭ ‬الفقير

بواسطة azzaman

العالم‭ ‬الغني‭ .. ‬والعالم‭ ‬الفقير

محمد زكي ابراهيم

 

لعلي‭ ‬لا‭ ‬أجانب‭ ‬الصواب‭ ‬كثيراً‭ ‬حينما‭ ‬أقول‭ ‬أننا‭ ‬نتعاطف‭ ‬جميعاً‭ ‬مع‭ ‬الفقراء،‭ ‬ونكن‭ ‬لهم‭ ‬محبة‭ ‬خاصة،‭ ‬ونتوق‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬نجدهم‭ ‬فيه‭ ‬بأحسن‭ ‬حال،‭ ‬يغادرون‭ ‬خانة‭ ‬الفقر‭ ‬ويلجون‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الرفاهية،‭ ‬ويتزودون‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحلمون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬مغانم‭.‬

وقد‭ ‬لا‭ ‬أبتعد‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬كثيراً‭ ‬حينما‭ ‬أزعم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عقائد‭ ‬سياسية‭ ‬تقوم‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬الفقراء‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬ازدراء‭ ‬الأغنياء‭ ‬أيضاً،‭ ‬فهي‭ ‬تدعو‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬إبادة‭ ‬الأغنياء،‭ ‬أو‭ ‬وضعهم‭ ‬في‭ ‬السجون،‭ ‬أو‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬ثرواتهم،‭ ‬فالمال‭ ‬الذي‭ ‬جمعوه‭ ‬لم‭ ‬يأتهم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬جهد‭ ‬وعرق‭ ‬المعدمين،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬مساواتهم‭ ‬بالفقراء‭ ‬الذين‭ ‬يشكلون‭ ‬الفئة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهكذا‭.‬

وكان‭ ‬العالم‭ ‬الفقير‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬مبرءاً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذنب،‭ ‬منزهاً‭ ‬عن‭ ‬أيما‭ ‬عيب،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬التلوث‭ ‬البيئي،‭ ‬أما‭ ‬العالم‭ ‬الصناعي‭ ‬المترف،‭ ‬فهو‭ ‬مدان‭ ‬من‭ ‬قمة‭ ‬رأسه‭ ‬حتى‭ ‬أخمص‭ ‬قدميه،‭ ‬لأنه‭ ‬يستهلك‭ ‬معدلات‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬ويحرق‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الوقود،‭ ‬ويتسبب‭ ‬بتحرير‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أوكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بغاز‭ ‬الدفيئة،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬اختناق‭ ‬الكوكب‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الاحترار‭ ‬الكوني‭ ‬أيضاً،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬الكوكب‭ ‬الأرضي‭ ‬من‭ ‬عبث‭ ‬ودمار‭ ‬إنما‭ ‬سببه‭ ‬المجتمعات‭ ‬الصناعية‭ ‬الغنية،‭ ‬التي‭ ‬تسرف‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬الصناعي‭ ‬وتجارة‭ ‬الأسلحة‭.‬

غير‭ ‬أنه‭ ‬تبين‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬التي‭ ‬يقل‭ ‬فيها‭ ‬دخل‭ ‬الفرد‭ ‬السنوي‭ ‬عن‭ (‬2000‭) ‬دولار‭ ‬سنوياً،‭ ‬تشترك‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬جريرة‭ ‬التلوث،‭ ‬وتقوم‭ ‬بتدمير‭ ‬الكوكب‭ ‬بطريقتها‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يصيب‭ ‬الكوكب‭ ‬من‭ ‬أذى‭.‬

‭ ‬الزيادة‭ ‬السكانية‭ ‬تحدث‭ ‬فيها‭ ‬بوتائر‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغنية،‭ ‬تتجاوز‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬الضعفين،‭ ‬والاكتظاظ‭ ‬السكاني‭ ‬يحدث‭ ‬أضراراً‭ ‬بالغة‭ ‬بالبيئة‭ ‬بسبب‭ ‬الحاجة‭ ‬الفائقة‭ ‬للغذاء،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬إجهاد‭ ‬التربة،‭ ‬واستهلاك‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬مخصبات‭.‬

كما‭ ‬تؤدي‭ ‬الكثافة‭ ‬العالية‭ ‬للاستيطان‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية‭ ‬إلى‭ ‬الزحام،‭ ‬وقسوة‭ ‬المناخ،‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الفقر‭ ‬ينعكس‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬الأساسية،‭ ‬مثل‭ ‬انعدام‭ ‬السكن‭ ‬الصحي،‭ ‬وسوء‭ ‬تصريف‭ ‬المياه،‭ ‬وتكدس‭ ‬النفايات،‭ ‬وخراب‭ ‬المدن‭.‬

والمعلوم‭ ‬أن‭ ‬استهلاك‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغنية‭ ‬هو‭ ‬أعلى‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مثيله‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭.‬

وقدرت‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬المتخصصة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬الكمية‭ ‬الأدنى‭ ‬التي‭ ‬يحتاجها‭ ‬الفرد‭ ‬بحدود‭ ‬50‭ ‬لتراً‭ ‬يومياً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتوفر‭ ‬للقسم‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭ ‬الفقيرة،‭ ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬المتخلفة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬تردي‭ ‬الظروف‭ ‬الصحية‭ ‬الأساسية،‭ ‬وتسهم‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬الأوبئة‭.‬

وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬معالجة‭ ‬الأضرار‭ ‬البيئية‭ ‬لا‭ ‬تتم‭ ‬بمحاربة‭ ‬الأغنياء،‭ ‬أو‭ ‬إطلاق‭ ‬أسوأ‭ ‬النعوت‭ ‬عليهم،‭ ‬أو‭ ‬إثارة‭ ‬الكراهية‭ ‬ضدهم‭. ‬ولا‭ ‬تتحقق‭ ‬بالانحياز‭ ‬للفقراء،‭ ‬والتقرب‭ ‬إلى‭ ‬المعدمين،‭ ‬بل‭ ‬بإيجاد‭ ‬وسائل‭ ‬تنقذهم‭ ‬مما‭ ‬هم‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬حاجة‭.‬

إن‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬مهمة‭ ‬وطنية‭ ‬وإنسانية،‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المنطقي‭ ‬التذرع‭ ‬بأوهام‭ ‬رومانسية‭ ‬لتزيين‭ ‬صورته،‭ ‬أو‭ ‬التغني‭ ‬بطيبة‭ ‬وعفة‭ ‬أصحابه،‭ ‬فتكريس‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحال‭ ‬لا‭ ‬تنفعهم‭ ‬في‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تضاعف‭ ‬من‭ ‬مأساتهم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولا‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬بتنشيط‭ ‬التنمية،‭ ‬ودعم‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭.‬

وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬بالأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬الجانبية،‭ ‬وينتج‭ ‬بيئة‭ ‬صالحة‭ ‬للعيش،‭ ‬ويقلل‭ ‬من‭ ‬الهجرة‭ ‬للخارج،‭ ‬ويطور‭ ‬عملية‭ ‬الإبداع‭ ‬في‭ ‬المجالات‭ ‬العلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬كافة،‭ ‬وإذا‭ ‬ازداد‭ ‬دخل‭ ‬الطبقات‭ ‬المهمشة‭ ‬من‭ ‬المجتمع،‭ ‬فإن‭ ‬البشرية‭ ‬ستكسب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الطاقات‭ ‬المعطلة،‭ ‬وستحظى‭ ‬بما‭ ‬تحتاجه‭ ‬من‭ ‬التطوير‭ ‬والخلق‭ ‬والإبداع،‭ ‬ويقل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬التفاوت‭ ‬في‭ ‬الدخل‭ ‬والفرص‭ ‬والتعليم‭ ‬والمستوى‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬العالمين‭ ‬الغني‭ ‬والفقير‭.‬


مشاهدات 82
الكاتب محمد زكي ابراهيم
أضيف 2025/06/13 - 11:51 PM
آخر تحديث 2025/06/16 - 7:56 PM

أخبار مشابهة
تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 104 الشهر 10757 الكلي 11145411
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/6/17 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير