الأمير مُظفَّر النوَّاب (2)
حسن النواب
عندما أشهر الحكم الياباني الكارت الأحمر بوجه اللاعب علي الحمادي؛ غامت الدنيا أمام عيني؛ وتصاعد وجيب قلبي وارتفع الضغط ونسبة السُكَّر في دمي؛ فتركت متابعة المباراة لأجلس في حديقة المنزل لاهثاً وقد أيقنتُ أنَّ خسارة المنتخب واقعة لامحالة؛ وهذا ما جرى وقد أمضت العائلة تلك الليلة في قنوط كأننا في مأتم حُسيني. وها أنا أعيد شكيمتي لأكتب الحلقة الثانية عن الأمير مظفر النواب؛ لأسأل الحكومة بوضوح أين نصب أبا عادل الذي وعدتم به بعد رحيله؟ فمازال عشاقه ينتظرون ذلك، أم أنكم تراجعتم عن وعدكم لأنَّ بيت النوَّاب يتكلمون لغة الأردو في الهند؛ وهي لغة خاصة تنتسب لهم وليس لسواهم. أذكر أنَّ قافلة من الزائرين حضرت من الهند بداية السبعينيات من القرن الماضي لزيارة مرقدي الحسين والعباس عليهما السلام، وكانوا في شارع العباس يسألون عن مقام صاحب الزمان عجَّل الله فرجه، وكنت في حينها مع والدي وعمري 11 عاماً، فاقترب منهم ليرشدهم إلى المكان، بلغةٍ هنديةٍ طليقةٍ؛ سرعان ما انتبهوا إلى لهجة أبي وهو يدلهم على مرادهم، فسأل أحدهم والدي رحمه الله: هل جنابك من بيت النوَّاب؟ وهنا تساءل أبتي كيف عرفت؟ فأجابه الزائر الهندي، لأنَّ هذه اللهجة لا يتحدَّث بها سوى ملوك بيت النواب في الهند. بالطبع أخبرني والدي بما جرى بعد انصرافهم؛ لأني لا أعرف من اللغة الهندية سوى بعض المفردات البسيطة؛ لأنَّ أبتي لم يكنْ حريصاً على تعليمنا لغة الأردو ونحن في قضاء فراتي ساحر هو أبو صخير والذي تهيمن عليه العشائر العربية، لكني مازلت أتذكر انحناءة رؤوس جميع الزوار الهنود عندما علموا أن والدي من بيت النواب؛ ولنا في مدينة لكنو الهندية مقامات لأهل البيت وما تزال هناك المقبرة الملكية لبيت النواب. في الواقع أحرص على كتابة هذه المواقف والمشاهد خشية من خذلان ذاكرتي في قادم السنوات؛ منها مشهد دخول أبتي إلى مجلس حسيني للهنود في كربلاء؛ إذْ كانوا ينهضون جميعاً لاستقباله بينما كان مسؤول المجلس يهتف آداب؛ آداب نوَّاب صاحب، فيخفضون رؤوسهم احتراماً وإجلالاً لحضوره بوصفه من سلالة الملوك؛ هذا المشهد رأيته بعيني عشرات المرات عندما كنتُ صبيَّاً. وأذكر كانت عمتي تزورنا إلى قضاء «أبو صخير» فيتحدثان بلغة الأردو، لكن أبي سرعان ما يحرص لمواصلة الحديث معها في لهجة الفرات الأوسط وسط دهشة عمتي كاظمية التي كانت تعيش في بيت النواب حيث منزلهم الفخم في باب الدروازة ، إذْ كانت تعيش مع أولاد عمومة أبي الحاج علي والحاج محمد، وأذكر أنها أخذتني معها خلال العطلة الصيفية إلى ذلك المنزل وكنت في السادس ابتدائي في حينها، وفي نهار صيفي أطفأ الحاج علي المبردة عندما كنت نائماً؛ فغضبت منه قائلة: ما جئت بابن أخي إلى هنا حتى ينزعج ؛ ربما نسيت انه ابن داود وجده سلمان النواب المتزوج من أميرة هندية. أرجو من القارئ الكريم أنْ يتسع صدره لما يستعر ويختلج في دمي عن عائلة بيت النواب حتى الحلقة الثالثة والأخيرة.