أودعناه في أعماق الأفئدة
رياض شابا
السوق العتيق، (الداون تاون) الذي كان ملتقانا ساعات الفراغ والضجر. منه نشتري (مسواقنا)، وفيه نناقش أسرارنا ونثرثر. لكننا أودعناه في أعماق الأفئدة، وعاش في أحلامنا وكبر منذ الصغر.
ربيع يزهر من جديد، مثل الشقائق التي لا نتحمل انتظار تفتحها طويلاً، مضمخة بإرادة تحمل صدق الانتماء لبقعة من وطن يسكن المهج منذ زمن ضارب في القدم.
تصفح وجهي، نسمات طرية آتية من هناك، من جبالك وأديرتك والينابيع والسهول، تنعش ذاكرة أجيال أأخلصت لبلدة لن يصيب عشقها الصدأ مهما باعدتها الأيام.
أعيش معكم اللحظة، مع كل دقة قلب، وكل عمل يُحيي مهرجانا تنسجون أفراحه كل عام، وها انتم تحتفلون به للمرة الثالثة، بطريقة تشكل التحدي بعينه، بتضافر جهود خيّرةٍ لمقيمين ومغتربين، ورعاية كنيسةِ تعمل بهدوء وتصميم، كي تحمي الإرث وتغرس معاني الألفة والإخاء، قولاً وفعلاً..
مع كل نظرة أراكم فيها من بعيد، أتذكر الحجارة المٌقَطَّعةَ بعرقِ يتصبب من جباهٍ أبيَّةِ، لآباء أسكنوا أٌسَرَهم في بيوت آمنةِ، ظلت عصية على الطامعين والخبثاء والأشرار. وأمهات يطهين خبزاً حاراً شهياً، بطعم حب الدنيا كلّه والحنان.
حكايات الحقول والحصاد والمراعي الخضر، وبذارِ ينتظر موعد المطر بعيون تتطلع إلى السماء. . ودكاكين كسبةِ وحرفيين، تحكي معنى أن تكون لك حياة .. رائحة الجبن والبطيخ وكعوب الموسم. عبق المقاهي والشاي الساخن، وفوانيس (كَاز) أنارت الظلمات سنوات طويلة، معلقة على جدران ماضٍ مجيد لن تمحوه المسافات ولا المطبات والحفر، كي تبقى النواقيس تقرع في فضاءات نقية، تبدد اليأس والخوف والقلق، في انتظار وطن يريد التعافي، تُطْرِب دقاتها نفوسا ظمأى لمرآك أيتها الحبيبة الكبيرة.
ألقوش .. لك مني تحايا بملء الدموع والشوق يا من بقيتِ مناراً لمحبة تنشر أريجها في كل مكان.
* القوش، ناحية تابعة لمحافظة نينوى، 50 كيلومتراً شمال الموصل. تقع على سفح جبل صخري شكَّلَ مستوطناً بشرياً، تمتد جذوره الى اعماق العصور الأولى للانسان. يحمل الجبل اسمها، وهو ضمن سلسلة جبال تفصل نينوى عن دهوك. سكانها من أبناء الطائفة الكلدانية الكاثوليكية، وتعد قريتهم من أقدم القرى المسيحية شمالي العراق. وفيها معالم دينية مهمة مثل قبر (النبي ناحوم الألقوشي) ودير (الربان هرمزد) الذي يحوي قبر هذا الراهب، وقبر القديسين (مار ميخا) و(مار قرداغ) ودير (السيدة)، (مريم العذراء ناطرة الزروع) وغيرها. أما تسميتها فمن مقطعين، أراميا، (ال) و(قوشتا)، وحسب أصول اكدية (القوستو)، أي الإله الكبير أو إله القوة والصلاح اوالاصلاح.