الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ترامب سحب البساط من قمة بغداد

بواسطة azzaman

ترامب سحب البساط من قمة بغداد

ثامر مراد

 

في عالم السياسة، ليست البيانات الرسمية ولا مخرجات القمم وحدها ما يحدد ملامح الأحداث الكبرى، بل في كثير من الأحيان، تكون التحركات الاستباقية، التوقيت، والمكان، أدوات ذات فاعلية حاسمة في تشكيل الرأي العام، وتوجيه بوصلة القوى الإقليمية والدولية. من هنا، تتجلى دلالة العبارة: «ترامب في الرياض سحب البساط من قمة بغداد وأفرغها من محتواها قبل أن تبدأ»، باعتبارها توصيفًا مكثفًا لحالة سياسية اتسمت بالتنافس الحاد على الريادة والتمثيل في المنطقة.

في عام 2017، شهدت المنطقة حدثين متزامنين يحملان دلالات استراتيجية: زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض، والتي جاءت محمّلة برسائل قوية وتحالفات جديدة، وقمة بغداد التي كانت تهدف إلى إعادة العراق إلى واجهة الأحداث الإقليمية، واستعادة دوره كمحور توازن في خريطة الشرق الأوسط.

زيارة ترامب إلى السعودية لم تكن مجرد زيارة بروتوكولية، بل كانت زيارة ذات طابع استراتيجي غير مسبوق، تم خلالها توقيع صفقات اقتصادية وعسكرية ضخمة، كما عقدت قمة إسلامية - أمريكية جمعت عشرات الزعماء العرب والمسلمين، لتعلن - ضمنيًا - عن انحياز أمريكي جديد للسعودية كمركز للقيادة السنية الإقليمية، وعن مشروع سياسي وأمني يرسم ملامح «نظام إقليمي جديد» بقيادة واشنطن والرياض.

في المقابل، كانت بغداد تستعد لعقد قمتها الخاصة، سعيًا منها لترسيخ صورة العراق كأرض للحوار والتقريب بين الفرقاء، خصوصًا في ظل الجهود الحكومية لإعادة الإعمار بعد الانتصار على تنظيم داعش، والتوجه نحو سياسة خارجية متوازنة بين طهران وواشنطن، وبين الخليج وسوريا.

زمام مبادرة

غير أن وقع زيارة ترامب إلى الرياض، بكل ثقلها الإعلامي والاقتصادي، غطّى على التحركات العراقية، وأجهض آمال بغداد في تقديم نفسها كمنصة للتسوية، فبدا المشهد وكأن اللعبة قد حُسمت مسبقًا، وأن بغداد فقدت زمام المبادرة. زيارة ترامب إلى الرياض سبقت أي تحرك دبلوماسي عراقي، وجاءت في لحظة كان العراق يسعى فيها إلى استثمار انتصاراته العسكرية لتكريس موقعه في الخارطة الإقليمية. لكن تحرك ترامب جعل الأنظار تتجه إلى الخليج، وأعاد الاصطفافات إلى مربع النفوذ التقليدي بين واشنطن وحلفائها الخليجيين.

قمة بغداد، حتى وإن عُقدت لاحقًا أو استُكملت بمشاورات دبلوماسية، فإنها لم تعد تحمل الزخم الذي كان من الممكن أن تكتسبه في غياب الحراك الأمريكي-الخليجي. إذ كيف يمكن لقمة إقليمية أن تثمر في ظل إعلان غير مباشر بأن واشنطن قد اختارت شريكًا إقليميًا بعينه لتقود مشروعها السياسي والأمني؟

منذ سقوط النظام السابق في 2003، عانى العراق من فقدان التوازن في سياسته الخارجية، لا سيما وسط ضغوط النفوذ الإيراني من جهة، والتوجس الخليجي من طبيعة النظام السياسي العراقي من جهة أخرى. سعت الحكومات المتعاقبة إلى اتباع سياسة «الحياد الإيجابي»، عبر فتح قنوات مع مختلف الأطراف، والتموضع كـ»جسر» لا «ميدان معركة» بين المحاور.

لكن هذه الرؤية اصطدمت مرارًا بتسارع الأحداث، وبالتحولات التي تتجاوز قدرة العراق السياسية والاقتصادية. ومن هنا، فإن قمة بغداد، رغم أنها كانت محاولة طموحة لإعادة تعريف العراق كدولة ذات سيادة مستقلة ومؤثرة، اصطدمت بواقع أن القرار الإقليمي ما زال يُصاغ خارج بغداد.

زيارة ترامب، وإن قُدّمت إعلاميًا كخطوة نحو «تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب»، كانت في جوهرها تثبيتًا لمحور تقليدي تقوده السعودية، ويمتد في وجهه المقابل إلى طهران وحلفائها في العراق وسوريا ولبنان. هذا التموضع لم يترك للعراق مساحة كافية للمناورة، لا سيما وأن واشنطن تعاطت مع الملف العراقي من خلال منظور أمني بحت، لا ينظر إلى بغداد إلا باعتبارها ساحة نفوذ متنازع عليها مع إيران.

إن العبارة «أفرغها من محتواها قبل أن تبدأ» لا تعني أن قمة بغداد لم يكن لها قيمة ذاتية، لكنها تشير إلى حجم التحدي الذي يواجه العراق في استعادة دوره وسط صراع محاور لا يرحم. فكل مبادرة عراقية تتطلب غطاءً دوليًا، وشرعية إقليمية، وإجماعًا داخليًا؛ وهي شروط لم تتوفر كاملة في تلك المرحلة.

ولعل التجربة علمت بغداد أن طريق الاستقلالية السياسية ليس معبّدًا بالشعارات، بل بالقدرة على خلق مصالح متبادلة، وفرض الحضور لا التمني، خاصة حين يكون الآخرون يسبقونك إلى المسرح بساعة، ويأخذون معهم الأضواء قبل أن يُرفع الستار.

 

 


مشاهدات 95
الكاتب ثامر مراد
أضيف 2025/05/17 - 3:26 PM
آخر تحديث 2025/05/18 - 6:05 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1045 الشهر 23009 الكلي 11017013
الوقت الآن
الأحد 2025/5/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير