الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أعمال ضياء حسن  بين شفرة التجريد والتجريب الهندسي

بواسطة azzaman

أعمال ضياء حسن  بين شفرة التجريد والتجريب الهندسي

بغداد - رياض ابراهيم الدليمي

يجتهد الفنان وفق آلياته وأدواته ووعيه وخبرته لقراءة وتأويل الوجود وتفاصيله ومكنوناته والطبيعة التي تشكل أحد عناصر هذا الوجود والأفلاك السابحة والمخلوقات والكائنات والتضاريس والحركة للكواكب والمجرات والثنائيات والمتضادات لهـــــــذا الوجود والظواهر الطبيعية والتراكم الأنثروبولوجي والأبستمولوجي كل تلك الظواهر الكونية والأحــداث الحياتية التــــي تحيط بالبشــــر تشكل عوامـــــــــل ضاغطة علــــى حياة وفكر ووجود الانسان، والفنان بوصفه فاعلا وراصدا ومتأثرا بكل ما ورد يسعى أن يتعلم ويقرأ ويعي تلك الفواعل واحتمالاتها، لكي يفهم ويؤول ويفسر باسلوبه وحسب ثقافته وقدراته المعرفية والذهنية وخبراته، فيشكل تصوره على السطح البصري كمقولات فكرية وجمالية ورؤيويـــة وليست بالضرورة أن تنسجم مع قناعة الآخر ومفاهيمــه وتصوراته بمـــا يرى ويحدث حوله، أو بما وصل اليه الآخرون سابقــــــا من نظريات وعلوم وفلسفات.

ان طبيعة النفــــــــس الانسانية دائبة البحـث والسؤال والشك والقلق والخوف والبحث عن الاطمئنان ، والفنان يجرد الأشياء ودقائقها ويغور في أعماقها بخطوطه ومستوياته ومجسماته الهندسية ولغته الحروفية وألوانه التي لا تميل الى التعقيد كي تعطي اضاءة على هذه المجسمات ونصوصه البصرية التجريدية ليشكل لغة بصرية تعبيرية روحية من خلال مشاعره وأفكاره وحدسه وتجريباته، وهنا ينطلق من عمقه وفكره وبما تختلج نفسه من خواطر وأحاسيس ليظهرها على السطح التصويري على شكل خطوط ونقاط تشكل معا دوائر ومنحنيات ومربعات وأنصاف مربعات أو انصاف مستطيلات بهندسة تصميمية وبتقنية المونتاج والاخراج والكولاج، وتغدو لوحة مجزئة الى عدة أجزاء أي يبني تكويناته الشكلية واللونية في الفراغ أينما وجد فلا حدود واضحة للجسوم ولا يوجد اطار يحدد هذه التكوينات، فالأطر تعددت داخل النص ومتنه بل أصبحت اللوحة متعددة المتون والهوامش وأن هذه الأطر تكمل بعضها البعض كثيمة واحدة ونصا واحدا بذات الامتداد الفني والمغزى المعرفي لتشكل مقولاتها وثيمها وأغراضها جماليا وثقافيا وذوقيا وفلسفة. فالتجريد لدى ضياء حسن ليس اسلوبا فنيا فحسب بل هو عقيدة فنية وفكرية وحياة ورؤية وتأويل وخاصة اذا ما علمنا بانه اتخذ من المدرسة التجريدية منذ عقود خمسة مضت من عمره اي منذ عام 1970منهجا فنيا ومعرفيا في رسومه وأبحاثه ، معتقدا أن كل شيء في هذا الوجود يمثل شكلا وحيزا وسببا ولغزا بالوقت ذاته، ومهمته تكمن بوصفه قارئا ومنتجا يدون فهمه ورؤاه لهذا المجرد أي لا يتوان عن سبر أغوار المتاهة الوجودية بما يمتلك من فيض المشاعر والحسّ والتصور والتفكر والتنبوء، فيمكن القول أن نصوص ضياء حسن الشكرجي هي تنبؤات وتوقعات وحدس تبدأ من النقطة والخط وامتداده ثم الحرف والكلمة والشكل الهندسي انتهاء بالخطاب المعرفي الجمالي.

لوحات ضياء حسن كون متفاعل أو تفاعلات كونية داخل مساحة اللوحة فالخطوط تشغل حيزا شكليا بفنائها وتعرجاتها داخل هذا الفضاء الشاسع رغم تأطيره اللامتناهي ، فالفنان وبشكل قصدي لم ينهِ لوحته أي لا توجد نهاية لها (لأنه يعي بأن الحقيقة مطلقة) فهي تشكل جسدا واحدا مع المكان بارتفاعه وحدود سقفه أو نزولا لأرضيته.

سوف نتوقف على ثلاث لوحات من أعماله لاسيما أنها اتخذت كمنهج تجريبي من لدن الفنان ومقاربة تحت عنونة (معالجة حركة المربع ضمن الفضاء) ضمن معرض (مئة عام من الفن العراقي) فهي جديرة بالدرس والوقوف عليها طويلا.

 فهذه لوحات تأخذ شكلا واحدا من ناحية المظهر ، فعند مقاربة هذا النوع من الاشتغال الفني تلمس أن المشهد البصري في هذه اللوحات وما يتخلله من العناصر الشاخصة المكونة للنص من أدوات وعناصر وخامة واطار وفضاء وكتل لونية و أرضية وخطوط تشكل مربعات في داخلها تكوينات شغلت حيزا مهيمنا على السطح التصويري بكتلة اصطبغت بلون أحمر وتغلغل اللون الأبيض في عمقه وجوفه ليشكل تكوينات هيلامية غير مرئية الهوية ولا تحمل المعايير الجنسانية فتتضح هنا وتتلاشى في بعض الأمكنة وتختفي أو تميع داخل الفيض اللوني الأحمر الذي يشكل حاضنا لها ومؤطرا بلون أزرق فاتح وأصفر حيث وضعهما الفنان كاطار داخلي للنص وكحد فاصل مع الفضاء المعلق عليه اللوحات الثلاث .

وهذا التكوين ( الأحمر ) الذي مثل عمق اللوحة ونواتها حيث اختلط باللون الأبيض ودواماته وتشظي خطوطه والضربات اللونية فأصبح كتلة واحد بين اللونين ، فتندمج الألوان وتنصهر كدلالة رمزية لهذا اللون أي اللون الأحمر - كطاقة موجبة يتماهى مع اللون الأزرق الذي طغى على المشهد كأرضية تعلق عليها اللوحات ، وهنا تعد رمزية اللون الأزرق كطاقة بدلالتها السالبة الايحائية ، ومن الناحية الدلالية الفيزيائية أيضا للون الأزرق الغامق فتمثل أدائه داخل النص التصويري يعطي ظلمة وعتمة على السطح اذا ما كان يحتل مساحة كبيرة في الفضاء النصي وخاصة قد تقصد الفنان أن يكون هذا اللون فضاء للوحات الثلاث بشكل بانورامي وهذا بطبيعة الحال ينعكس ايجابا على اللون الأحمر المختزل الذي يمثل نواة للنص فيزيده توهجا وبريقا ، فهذا الاتحاد بين اللونين ( الأحمر و الأزرق ) ويشكل مغزاً دلاليا ، فهو اتحاد بين الظلمة والنور واتحاد روحي وجسدي بين المرأة ككيان ساكن وجسد المربع المتحرك الذكوري بصفته جوهرا وروحا ، فينتج عن هذا الاتحاد فعلا حركيا دائريا بالاتجاهات الأربعة كإشارة لحركة الفصول .وان ثيمة ثنائية اللونين مع خطوط المربع كمحيط يعدان جوهرا وروحا ، فكل اتحاد لوني وضوئي أو تكوين هندسي لابد ان تلمس منه قوة وفعلا ديناميكيا .

ولابد من القول بأن دالة اللون الأحمر مثلا في داخل اللوحة واللون الأزرق للخلفية المعلق عليها اللوحة هي بمثابة فلسفة أراد منها الشكرجي الافصاح : إن شيئيات هذا الوجود جزء من كل ويكمل بعضه البعض وأن الخلق هو واحد وأن تعددت أشكاله وألوانه وأن هنآك مؤثرات طبيعية وجودية قد حتمت عليها أن تكون بهذه التكوينات لتناسب المكان الذي تعيش فيه الكائنات ولأسباب فيزيائية ورياضية وبايلوجية وجغرافية قد ساهمت في صنع وصياغة وخلق هذه الأشكال. والتعددية هنا للأطر والخلفيات والتوشيحات وتركها حرة وتداخل المتون مع بعضها ومع الهوامش فإنما هي اشارات تعبيرية رمزية ذات دلالات قصدية تعبر عن حتمية الوجود المطلق اللامتناهي .

 قد شاء الفنان أن تكون ألوانه صريحة غير مشتقة معبرة عن الالتقاء والتلاحم بين لونين وشحنتين قد يولد من هذا اللقاء الافتراضي ضوء أو مولود أو ظاهرة طبيعية أو كونية وقد تكون أحلاما قابلة للتحقق ، لان النص وُلد وشُكل في عالم سرمدي غيبي وباطني ، لذا على القارئ أن يستدعي حالة اللاشعور والمعرفة كي يدرك غير المدرك ويسعفه في ذلك الطاقة الضوئية النورانية التي أنارت التكوينات والظلال التي ساهمت بإيجاد علاقة بنائية ودلالية بين رموز هذه اللوحات .


مشاهدات 54
أضيف 2025/05/09 - 11:45 PM
آخر تحديث 2025/05/10 - 9:31 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 508 الشهر 11757 الكلي 11005761
الوقت الآن
السبت 2025/5/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير