إشكالية التسمية قصيدة النثر جنس أدبي مختلف
عبد المنعم حمندي
ما الشعر ؟ ا
ما أجمع عليه البلاغيون والنقاد:
الشعر هو ذلك الكلام الموزون لحناً، العذب لغة، لا يتقنهُ إلّا قلة قليلة حباها الله بهذه الموهبة الفذة، فالشعراء الحقيقيون قلة في هذه الحياة، والشعر هو مرأة الأحاسيس العصية على البوح،
وأرى ان الشعر صوت الروح وأنينها ينبع من قدرة هذه الروح على الإبداع، بين ماهو جمالي في الصياغة وثقافي في الفكرة و حسب موضوع القصيدة وظرفها الذي ولدت فيه ، مع اقتران الموهبة بما يتصل بالعاطفة والأحساس.
نعم ما زلت مؤمناً يدور الشاعر وأهمية الشعر في خلق هواء نظيف يتنفسه الانسان ، وكذلك دوره في صناعة وعي جديد يسهم في نشر المعرفة الثقافية لدى المجتمع.
كان الشعر ومازال وسيلة التعبير الأرقى جمالأ ،
لكنه تراجع بسبب مزاحمة وسائل جمالية ومعرفية وفنية
له ؛ و تراجعت نسبة القراءة والمتابعة وابتعد العامة من الجمهور عن قراءة الشعر الحديث ، لأن العامة من الناس تبحث عن السهل وعن ما هو دارج ، فساد الشعر العامي الدارج بللهجات المحلية ، وايضا بسبب فساد التذوق النابع من البحث عن السهل والسذاجة ، والتسطيح.في الوقت نفسه نرى المبدع والشاعر الحقيقي مطالب بأن يرتقي بالعامة من الناس إلى مستوى عالٍ من التلقي.
أسوق هذه المقدمة بعد اتتعاش ما يسمى ( بقصيدة النثر ) في المشهد الشعري في الوطن العربي التي هي في اغلبها خواطر وانثيالات ، تتراوح ما بين الانشاء والألغاز التعبيرية والشطحات العاطفية ، العائمة في فضاء شعري ، ولكن ليست بشعر ،ولا يمكن أن يتغير جوهر الشعر،
إنها نص أدبي وكفى
لماذا ؟ اتفق المتخصصون ، القدامى والمعاصرون على صياغة قانون ثابت " لا شعر بلا موسيقى " للشعر معايير ومقومات ابرزها الموسيقى ،الوزن ، الأيقاع،
بين الشّعر والموسيقى اواصر لا تزول منذ القدم وعند كل الشعوب. فقد ارتبط الشعر عند العرب بالغناء، حتّى غدا «الغناء ميزان الشعر»؛ فكان كلاهما قرين الٱخر في الوجود . و أنّ الشعراء، كانوا يُغنّون أشعارهم، ويعبّرون عنه بالإنشاد،
الشعر يتلاءم مع الموسيقى، وهو مصدر الغناء ، فموضوع الشعر بحدّ ذاته غناء، أمّا النثر فلا علاقة له بالغناء والموسيقى.
قد تكون " قصيدة النثر" خرجت عن تقاليد المعاني الجاهزة والأوزان وصور البلاغة، بتغير المنحى الفلسفي والرؤيوي لتؤكد أن أرض الشعر شاسعة واسعة،
هكذا كانت القناعة عند جل الشعراء في القرن الماضي
وتسمية قصيدة بدعة جديدة ابتدعها جماعة مجلة شعر
( انسي الحاج وأدونيس وفؤاد رفقة ومحمد الماغوط ويوسف الخال وغيرهم)
أن يأتوا بشكل مغاير لما كتبه الشعراء الرواد السياب والبياتي والملائكة وعبد الصبور وبلند ، فأبتدعوا لعبة الشكل واطلقوا عليها "قصيدة النثر" .
في المشهد الشعري اليوم نرى«انتعاشا للنثر ،
نعم أن الشعر لا يمكن حصره في مقولة «الموزون والمقفى» التي حددها الأسلاف للشعر.، ولكن لا شعر بلا موسيقى ، وارى أن كتبة النثر يقبضون على جمرة الشعر ولكن ليسوا شعراء !
يكتبون في جنس أدبي مختلف مهما اتقدت جذوة الشعر فيه لأن هذا الجنس النثري يفتقد إلى الإيقاع.
فالإيقاع من خلال هذا التعريف هو التسلسل والتماسك النغمي الذي لديه القدرة على التأثير في المتلقي، والإيقاع هو جوهر الشعر. الإيقاع الخارجي: يطلق عليه أيضا بالموسيقى الخارجية أو علم العروض الذي يشتمل على الوزن والقافية، وهو يمثل البناء الهيكلي التشكيلي للقصيدة ويعدّ الأداة المحركة للإيقاع.
لذا نصنف النثر جنساً أديباً ( نص نثري) مهما أمتلك من تخييل ورؤى فلسفية وتحليق وهو امتداد لنفائس النثر في التراث العربي خصوصا في شطحات الصوفيين مثل النفري والغزالي،وابن عربي وأبي بكرالشبلي وغيرهم.
واقول ما الضير من أن يخلع كتّاب " قصيدة النثر " عن نصوصهم رداء القصيدة وتسمية ما يكتبون" بالنص النثري " لأنه جنس أدبي مختلف ، حاله حال السرد والمرسل في المسرح على الرغم من توفر الشاعرية فيه
خصوصاً بعد أن تخلى مؤسسوه عن ابتداع لعبة الشكل
ونورد الٱتي:
لقد كتب أنسي الحاج مقالته في جريدة الأخبار في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 يقول فيها: " لم أتوقف عن الاعتذار عما اقترفته من تنظيرات اعتباطية... وما جاء استنادنا أنا وأدونيس إلى كتاب سوزان برنار عن قصيدة النثر إلا إغراقًا لنا في جملة أخطاء... نحن معشر ديوك الحداثة أجهز أولادنا على الباقي بعدما فتحنا صندوق باندورا وانطلقت منه أفاعي الكاوتشوك وعقارب القش... لننتبه أن ما نفعله هو عقاب لنا ما بعده عقاب". إذًا هو اعتراف لأنسي الحاج بأن الشعر هو كل أشكاله، ونوع من الندم لتبني قصيدة النثر كما تبناها سابقًا؛
لذا على كتّاب نصوص النثر الأدبي أن يغيّروا التسمية ،ويحلقوا في فضاء الحداثة وتجلياتها لأن
"الشعرية واسعة وشاسعة وليس لنا أن نحشرها في قصيدة النثر أو اللانثر"،