الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عقائد مختلفة وهوية موحّدة

بواسطة azzaman

عقائد مختلفة وهوية موحّدة

منقذ داغر

 

(الهوية الشيعية لابد لها من الأتحاد في جميع المواقف رغم الهفوات الخطيرة ، لابد من دراسة الوضع جيداً بإزاء مايحصل محلياً ودولياً.) هذا النص الذي اقتبسته من احد الأخوة المحترمين ذكّرني بنَص مشابه سمعته من أحد الأخوة (السنة) لتبرير الاقليم السني الذي ينادي به. كِلا النصَّين جاءا في سياق الغضب مما يعتقدان انه أصاب مكونهما. ف(السنة) يشكون من مظلوميتهم المكوناتية على يد (الحكام الشيعة)،والشيعة صاروا يشتكون من التحالف(السني-الصهيوني-الامريكي) لتدميرهم بعد القضاء على حزب الله ونظام الاسد ومهاجمة ايران!

لا يهمني هنا مناقشة مدى صحة كل من هذين الادعّائَين(السني والشيعي) فهذا ليس مجال اهتمام المقال على الرغم من إيماني أن أياً من طائفيي الشيعة او السنة يمكن ان يقتنع بأي تفنيد منطقي لإدعّاءه. ما يهمني هنا مناقشة فكرة ربط الهوية(الجامعة) بالعقيدة (الجامعة).

هوية عقائدية

وهل الهوية الوطنية ترتبط بالايدلوجيا ام بالجغرافيا؟!هذه الاشكالية هي اهم الاشكالات التي وقع فيها كثير من المؤدلجين فتخلوا عن هويتهم الجغرافية لصالح الهوية العقائدية عابرة الحدود. فبعض الشيوعيين مثلاً يعتقدون انفسهم امميين اكثر منهم عراقيين او روس او سوريين…الخ. وبعض الاسلاميين (السنة والشيعة) يعتقدون انفسهم مسلمين (سنة او شيعة)قبل كونهم مصريين او باكستانيين او ايرانيين!!

لكن هل الشيوعية مثلاً ايدلوجيا أم هوية؟! وهل التشيع عقيدة أم هوية؟ وهل الاسلام (الاخواني او الوهابي،او السلفي…الخ)هو إيمان عَقَدي فكري أم هوية؟!

دعونا أولاً نميّز بين العقيدة والهوية. العقيدة في اصلها ايمان فكري (شخصي)بآيدلوجيا او منظومة فكرية معينة تتناسب مع قيم ومعايير وافكار من يعتنقها. هذا لا يعني ان لا تتحول الآيديولوجيا الى ممارسة جماعية،لكنها لا تشترط سلوكاً ظاهرياً جماعياً . فقد أؤمن بما قاله ماركس لكني لست شيوعياً ولا التزم بالدفاع عن الشيوعية او الماركسية،ولا أعاقب اجتماعياً اذا ما تصرفت بعكس ذلك .أما الهوية فهي سلوك ظاهري جماعي لا يستلزم إيماناً عقائدياً. العقيدة اذن تتعلق بفكر وايمان شخصي وليس بالضرورة جماعي. في حين ان الهوية تتعلق بسلوك مبني على احساس جماعي. فلا هوية لفرد يعيش لوحده لكن يمكن ان تكون لديه افكار يؤمن بها حتى لو كان يعيش لوحده. فالهوية لها وظيفة جماعية ويتم تعزيزها بالطقوس والسلوكيات الجامعة. من جانب اخر فان من  يكفر بالعقيدة لن يطرد من الهوية او يحرم منها. في حين ان من يكفر بالهوية فيصعب قبوله في الوطن. هذا يعني شيئاً مهماً للشعوب التي تعيش على رقعة جغرافية واحدة،فهم يمكنهم ان يعتنقوا مختلف العقائد لكنهم يسلكون سلوكاً هوياتياً واحداً. في حين يصعب عليهم ان يتعددوا بهوياتهم ويعيشوا في نفس الرقعة الجغرافية لان ذلك سيولّد كثير من الاشكالات كون الهوية تتعلق بسلوكٍ ظاهر وليس بإيمانٍ خفي.

وهذا هو ابداع الهوية. فهي الرابط السلوكي وليس العَقَدي. أي انها لازمة إجتماعية وليست واجبة فكرية.من جانب آخر فحينما تدمج الاثنين كما يحاول بعض الاسلامويون (الشيعة والسنة) ان يوهمونا، يضيع الفردي في صخب الجماعي ويتحول الايمان من فكري الى (طقسي). اي ان القول انه لا تعارض بين الهوية العراقية والهوية الشيعية او السنية هو قول غير صحيح بل وخطير احياناً. نعم لا تعارض بين ايمانك بعقيدتك(الشيعية او السنية)وبين هويتك العراقية.لكن حين تختار (وتصر) ان تجعل هويتك (شيعية او سنية) وتدمجها مع هويتك العراقية فلابد ان يأتي اليوم الذي تتعارضان بل وتتقاطعان فيه،كما يحصل الان.

وبما اننا في خضم معمعة العدوان الصهيوني على ايران فدعوني اضرب بها مثلاً لتوضيح فكرة المقال. هل ان ايران قاتلت دفاعاً عن بلدها وحدودها وسيادتها الجغرافية ام عقيدتها الشيعية؟اعلم ان هناك من يقول انها دافعت عن الاثنَين،لكن اذا كان الحال كذلك فلماذا لم تدافع عن حزب الله وسوريا(الاسد) بنفس القوة الصاروخية والنارية التي استعملتها دفاعاً عن حدودها الوطنية؟! بمعنى هل ان المشروع الايراني هو مشروع (شيعي) ام مشروع ايراني؟!

طريقة اخرى

هل (الشيعة) في العراق ملزمين بالدفاع عن ايران؟! اعلم انه ستثور الثائرة على هذا السؤال،لذلك دعوني اسأل بطريقة اخرى: هل السنة في العراق ملزمين بالدفاع عن السعودية او تركيا؟! وهل ان المشروع (العثماني) هو مشروع تركي ام سني؟! هل السنة في العراق ملزمين كانوا وما زالوا ملزمين بالدفاع عن عثمانيتهم ام عراقيتهم؟! افهم ان مساعدة المظلوم في العالم وابن ديني وطائفتي هو أمرٌ محبب للنفس وقريب من الوجدان،لكني اسأل سؤالاً مفتاحياً بطريقة(اسلامية):هل هو واجب او مستحب؟

أن هذه هي واحدة من اهم النقاط التي يجب اثارتها. فعندما تتعدد الهويات لا بد ان تتقاطع عند نقطةٍ او حدثٍ ما،وحينها سيحدث ارباكاً في السلوك الجماعي واضطراباً تماماً مثلما حدث مع كل الاسلاميين والامميين من قبلهم بحيث اضاعوا الخيط والعصفور. ان مفهوم الهوية الوطنية(الجغرافية) يجنبنا هذا التقاطع فالولاء محسوم اولاً وأخيراً للوطن الذي اعيش فيه وليس للفكر الذي أؤمن به. لذلك فالوطن يتسع للجميع سنةً وشيعةً وكورداً وصابئة وفيليين وتركمان وايزيديين ومسيحيين…الخ.

ولذلك قاتل اليهود الايرانيين مع ايران ضد اسرائيل ولم يتقاطع ايمانهم العَقَدي مع هويتهم الوطنية.

بناءً على هذا الفهم لا يمكن تصور اكثر من هوية واحدة ،لانها سلوك جماعي .

واذا قبلنا بها فسيكون في العراق سلوك شيعي مقابل سني وثالث كوردي ورابع تركماني كما هو حاصل الان. بمعنى ان تتم ترجمة تلك الهوياتية محاصصاتياً فيختلط الحابل بالنابل ونتبادل الاتهامات عمن هو المخطىء ومن المصيب. والحميع سيدافع عن طائفته.اما اذا كانت الهوية عراقية فحينذاك الكوردي يمكنه محاسبة وانتقاد الشيعي دون خشية تحزب الشيعة له،والشيعي يمكنه محاسبة وانتقاد الوزير السني دون خشية وقوف البرلمانيين السنة معه.

 

 


مشاهدات 99
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/07/06 - 3:04 PM
آخر تحديث 2025/07/07 - 8:15 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 626 الشهر 4065 الكلي 11157677
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/7 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير