صدور "يلا ملاك الموت" رواية للكاتب حميد عقبي: صرخة أدبية ضد الحرب اليمنية والسلطة الكهنوتية
عوالم الهامش المنسي في مدينة الحديدة
ثريا بن الشيخ: رواية إنسانية جمعت بين السرد الروائي والمسرحي والسينمائي
تتشابك ثيمات الجنون، الحب، الكتابة، الجسد، والموت في نسيج بصري شاعري
القاهرة – باريس
عن دار متون المثقف للنشر والتوزيع، صدرت حديثًا رواية "فيلا ملاك الموت" للكاتب والمخرج السينمائي اليمني حميد عقبي، في عمل سردي جديد يفضح آثار الحرب اليمنية ويفكك بنية السلطة الكهنوتية التي تبتلع حاضر اليمنيين ومستقبلهم عبر العنف، القمع، والمغامرات السياسية المدمّرة.
الرواية تدور داخل منشأة صحية مهملة في أطراف مدينة الحُديدة، حيث يُزج بالمهمّشين والموتى الأحياء، في مكان يُطلق عليه الناس "فيلا الموت". هناك، حيث الغبار بدل الأدوية، والرطوبة مكان الرحمة، تعيش شخصيات محطّمة تبحث عن بصيص معنى في واقع مشوّه.
موستيكو، ممرضة شابة، تُعاقب على رفضها تحرّش مسؤول نافذ، وتُنقل إلى هذا "المنفى الطبي"، فتبدأ في تسجيل يومياتها سراً، شاهدة على الاحتضار الجماعي وخراب الإنسان. إلى جانبها، تتناوب نساء مثل أم بكش، التي ترفض الاعتراف بموت ابنها، وشعبانة، التي باعت كل شيء لإنقاذ زوجها فعاد إليها مجنونًا. وتظهر شخصيات رمزية مثل تشيخوف، المثقف الذي لم يتخل عن الحلم، وبينو، الذي ينتظر نهاية العالم عبر كويكب خيالي.
الرواية، رغم سوداويتها، لا تغرق في الرثاء، بل تُبقي جذوة من التمرد قائمة، في قبلة سرّية، وردة تنبت من صدأ الخراب، أو دفتر سرّي يُكتب ضد النسيان.
حميد عقبي يواصل عبر هذا النص مشروعه الجمالي في الكتابة التي تمزج بين الروائي والمسرحي والسينمائي، بأسلوب بصري كثيف يستفيد من تجربته الفنية المتنوعة، حيث الصورة، الصوت، والفراغ تؤدي دورًا سرديًا متكاملًا.
الناقدة والشاعرة د. ثريا بن شيخ، كتبت تقديمًا خاصًا للرواية، وجاء فيه:
"رواية تكتسي طابعًا إنسانيًا كونيًا بكل المقاييس، جمعت بين السرد الروائي والمسرحي والسينمائي. الكتابة تشكيلية شاعرية بسيناريو في منتهى الإتقان والسخونة."
وقد عبّرت في مناسبات عدّة عن إعجابها بالأسلوب والتقنية و"الروح السينمائية" للنص.
الرواية تُوجّه نقدًا حادًا لفساد السلطة الكهنوتية التي تحكم اليمن، سلطة تغرق في مغامرات عبثية لإطالة أمد الحرب دون أن توفّر حتى واحد بالمئة من مقومات الحياة أو الكرامة للمدنيين. عبر الشخصيات والمكان، تُعرّي الرواية عجز الدولة، وانهيار المعنى، وخراب الإنسان تحت وهم الطهارة وشعارات الخلاص.
الفنان حميد عقبي، المقيم في فرنسا، من أبرز الأصوات اليمنية المعاصرة، وهو كاتب متعدد التجليات في الرواية، المسرح، السينما، والشعر. منذ عام 2015، نشر 17 رواية تنتمي إلى سرد بصري شديد التكثيف، ويتّسم معظم إنتاجه بالتفاعل مع ثيمات الحرب، العشق، الجنس، الموت، المنفى، والخمر. تجاوز عدد منجزاته الإبداعية الخمسين عملاً سرديًا ومسرحيًا وشعريًا، تميّزت جميعها بالتجريب الفني والتمرّد على السائد.
من اللافت أن لوحة غلاف الرواية من تنفيذ المؤلف نفسه، كفنان تشكيلي، وقد جاءت تجريدية داكنة تعكس جوّ النص، وتُكثّف رمزيته البصرية: ظلال بشرية، خطوط مشروخة، أفق غامض، كما لو أن الرواية خرجت من تلك اللوحة أو خرجت اللوحة من رحم الرواية.
وفي خاتمتها، تُقدّم الرواية مشهدًا داخليًا لليمن، لا عبر ضجيج الخطابات أو نشرات الأخبار، بل عبر رؤية فنية حارّة تنطلق من جسد هشّ، ودفتر صغير، ومدينة تئن في صمت.
ملخص الرواية:
في رواية "فيلا ملاك الموت"، يقتحم حميد عقبي عوالم الهامش المنسي في مدينة الحديدة، حيث تتحوّل منشأة صحية مهترئة إلى مسرح للوجع البشري، في ظل سلطة كهنوتية فاسدة تُمعن في إذلال الإنسان. تتصدر السرد موستيكو، ممرضة شابة تُنقل إلى "الفيلا" عقابًا لها، لتصبح شاهدة على انحدار الحياة تحت وطأة الجوع، الخوف، والعزلة. تتناوب في الحكي نساء محطمات مثل أم بكش وشعبانة، إلى جانب رموز عبثية مثل تشيخوف وبينو. الرواية لا توثق الحرب فحسب، بل تُعرّي آثارها النفسية والوجودية، حيث تتشابك ثيمات الجنون، الحب، الكتابة، الجسد، والموت في نسيج بصري شاعري، ينأى عن الخطابة ويفتح الباب لأسئلة الخلاص والكرامة. "فيلا ملاك الموت" رواية احتجاج، وهي فعل فني حارّ ينطق باسم من دفنتهم الحرب دون قبور.