جائع يصفّق لملياردير
فاتح عبدالسلام
علّق أحد العراقيين على صورة في مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها عدد من السياسيين أمام جمهرة من الجمهور يصفقون ويهتفون لهم قائلاً:
أي شخص من الواقفين على المنصة يمتلك مائة مليون دولار وأكثر، في حين انّ الذين يهتفون لهم من الجوعى والعراة والمهمشين وأفضل مَن فيهم يعيش على راتب الرعاية الاجتماعية أو راتب التقاعد او انه عاطل عن العمل ويرتاد المناسبات السياسية لكي يتغدى أو يتعشى، اذ ليس له من المكاسب أكثر من ذلك. هذه الصورة تنطبق على مفردات المشهد السياسي البائس في العراق، حيث استفحلت طبقة سياسية ثرية، ليس همها سوى جمع الأموال والاستحواذ على المشاريع الاقتصادية.
والأيام المقبلة ستشهد عودة الانتخابات البرلمانية، وستتكرر المشاهد المضحكة المبكية ذاتها، جائعون ومسحوقون ومغفلون وربما من ذوي المغيبين قسرا والمختطفين والشهداء يهتفون للحيتان، والديناصورات، وبائعي الدماء، وهادري الحقوق.
أهذه حقاً صورة العراقيين الحقيقية؟ أم انها صورة يصنعها الذكاء الاصطناعي للترويج والمناكفة؟ أم انها فعلاً صورة للغباء السياسي المستشري والذي تغذيه العصبيات القبلية والطائفية قبيل أي موسم انتخابي، والجميع يدركون انّ توزيع المناصب والحصص أمر مفروغ منه، يجري في الغرف المُغلقة وفي ليالي دعوات العشاء وعبر عواصم إيداع المبالغ المالية المستحقة لبيع المنصب وشرائه. صور مخزية تسود الوضع السياسي ولا أحد يفكر في تغييره بحجة انّ الجميع متوافق على ذلك، وانّ المعترض او المعارض سيكون وحده هو الخاسر والمحروم من قطف حصته في هذا المزاد الكبير الذي تُباع فيه المناصب والمواقع، في حين لا شيء ينمو في الاقتصاد والتعليم والتربية والثقافة والسياحة، والنقل، والصحة، والبيئة، والزراعة، والتجارة، والصناعة ومستقبل الطفولة.
كنّا في السابق ندعو علماء الاجتماع وخبراء السياسة والأزمات الدولية الى تحليل الظواهر التي تجثم على صدر العراق، غير انّ الحاجة الأكيدة والمستحقة اليوم باتت لدعوة الأطباء والعلماء النفسيين لمعالجة ما يمكن علاجه وتفسيره، بالرغم من أن المريض في حالة ميؤوس منها.