المستجير من الرمضاء بالنار
نزار محمود
لنمتلك الشجاعة الوطنية فنقول: إن العراقيين كانوا على الدوام شيعاً وأحزاباً، فليس بالجديد أن تراهم اليوم كذلك!
ولا ينبغي أن يكون ذلك بالضرورة عيباً أو نقصاً أو غرابة. فجميع الشعوب تعيش حال التنوع والاختلاف ومنها حتى الخلاف والتناحر، ونحن منها مع تبدل الحال واختلاف الدرجة.
عندما نمر بعقود الزمان العشر الماضية نقف على امنيات العراقيين واستجارتهم بأشكال من الرمضاء وبألوان من النار تراوحت بين إنسانية ومقبولة وطنياً الى حد ما، وغير مهضومة أو مقبولة أو حتى مرفوضة تماماً.
الحرب العالمية الأولى والاستعانة بالانجليز:
لقد فرح كثير من العراقيين، ولنقل لم يحزنوا، عندما دخلت القوات الانجليزية وبعسكرها الهندي الى العراق لينقذهم من (الاحتلال) العثماني التركي وحتى عند البعض (السني)!!
حركة مايس 1942:
بيد أنه سرعان ما دبت الرغبة في أوصال البعض الآخر منهم وراحوا يتململون الى التخلص من الاحتلال والوصاية والانتداب والهيمنة الانجليزية، حتى أن ملكهم الثاني غازي كان قد تيمن بشارب هتلر تعبيراً عن امتعاضه من سطوة الانجليز على البلاد! وهذا الأمر كان وراء انتفاضة مايس عام 1941 وما سمي بحركة رشيد علي الكيلاني، وجرت على لسان العامة من الناس: بدكة رشيد علي الكيلاني، وتحالفه مع العقداء الأربعة الذين مالوا الى دول المحور في الحرب العالمية الثانية، ولكن سرعان ما فشلت الحركة، هرب رئيس الوزراء الكيلاني وأعدم العقداء الأربعة وعاد الانجليز واتباعهم الى الهيمنة والسلطة.
انقلاب/ ثورة 14 تموز 1958:
ازداد السخط الشعبي وتعالت صيحات المطالبة بالتحرر الوطني من الانجليز والذهاب الى حكم جمهوري ديمقراطي تقدمي، وتحالفت قوى وطنية قومية ودينية وشيوعية وغوغائية حتى تمكنت مجموعة من الضباط “الأحرار” من الانقضاض على النظام الملكي والقضاء عليه. لقد استجار الشعب بعسكره ويساره من أجل التخلص من “عبودية” العهد الملكي العميل، ومن أجل سيادة وكرامة وطنية وحرية وعدالة اجتماعية.
انقلاب/ ثورة 8 شباط 1963:
بدعوى تزايد المد الشعوبي وتجبر الديكتاتورية القاسمية وتوسع النفوذ الشيوعي انبرت مجموعة من اتباع حزب البعث العربي الاشتراكي وتمكنت من الانقلاب والاستيلاء على السلطة، لكي تعيد العراق وتلحقه بحاضنته القومية العربية والإسلامية، والتي لم تدم فيها سطوة الحزب حيث حدث ما سمي بردة تشرين في ذات عام الثورة.
انقلاب/ ثورة 17 تموز 1968:
عاد حزب البعث العربي الاشتراكي منتصف عام 1968 للاستيلاء على السلطة ثانية، عازماً على تنفيذ مشروعه القومي العربي ذي الأهداف الكبيرة في وحدة وحرية واشتراكية الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
ومع اصدار بيان الحادي عشر من آذار عام 1970 وظهور بوادر حل القضية الكردية، وتأميم النفط عام 1972 ونجاح صموده وتزايد ايراداته والمباشرة بخطط تنموية واسعة وشاملة، تنامى الأمل والشعور بنهضة غير مسبوقة ومستقبل واعد.
الحرب العراقية الايرانية عام 1980:
لم يدم فرح بوادر النهضة طويلاً وعودة الهدوء الى شمال العراق، حتى جاءت خمينية تصدير الثورة الطائفية الايرانية، فوقعت الحرب العراقية الايرانية التي امتدت الى ثمان سنوات عجاف، استجار بها العراقيون كالرمضاء من النار!
الغزو والاحتلالين:
ما ان انتهت الحرب العراقية الايرانية الى وقف لاطلاق النار حتى طفت على السطح مشاكل اخرى، كانت الاقتصادية في مقدمتها. كما كانت اشارات تحولات دولية كبرى لا تستطيع العين حتى المجردة تجاهلها.
ارتكب صدام حسين أكبر الأخطاء في حساباته، غزا الكويت، وبدأت نهاية عهد سلطة البعث التي اسقطت عام 2003 على يد الغزاة الامريكان وكثير من المتحالفين معهم ولم تشكل ايران استثناءً في ذلك، بل كانت شريكاً في الاحتلال بعون ودعم جزء كبير من الشعب العراقي مستجيرين بها من نار البعث وصدام، هكذا ظنوا وتمنوا وأرادوا!!
قانون تحرير العراق من إيران:
واليوم ترتفع أعناق كثيرين من العراقيين، وفي مقدمتهم من أبعدتهم امريكا عن السلطة، مترقبين تطبيق القانون الامريكي حول تحرير العراق من إيران، بعد ان حصل ما حصل من انتشار للطائفية والفساد وقتل لمئات الآلاف من أبناء الشعب وتدمير للبنى التحتية ونهب فاحش للثروات العامة وهجرة الملايين من أبناء الشعب وتمزيق النسيج الاجتماعي وتقزيم دور وسيادة العراق.